معضلة الأحزاب الحقيقية

سميح المعايطة هناك حالة قريبة من الإجماع على ان كل الاحزاب الاردنية، بلا استثناء، تعاني من ضعف في بنيتها وحضورها وعدد اعضائها. وهذا الواقع يشمل ايضاً حزب جبهة العمل الاسلامي الذي يستمد قوته وشعبيته من كونه امتداداً لجماعة الاخوان المسلمين وليس من قوته كحزب. كما أن هناك اعتقادا لدى البعض ان حل مشكلة الاحزاب وتحويلها الى مؤسسات قوية وفاعلة يتم بعد انتاج قانوني الاحزاب والانتخابات بشكل جديد، وبما يعطي للاحزاب فرصاً للحصول على مقاعد عبر نظام القائمة النسبية، والسؤال: هل وجود هذين القانونين بصيغة مثالية سيغير من واقع الاحزاب الاردنية ويحولها الى ماكينة عمل سياسي مؤثرة، ويزيد من حماس الاردنيين للعمل الحزبي، بحيث يرتفع عدد الحزبيين العاملين من (3) او (4) آلاف الى عشرات او مئات الآلاف؟ هذا السؤال يثير الجدل. ولعل المتفائلين يحبون اغماض عيونهم عن انواع من العيوب في بنية الاحزاب لا يمكن للقوانين ان تعالجها، وربما يمارس البعض هروباً من واجبه في معالجة الثغرات، او عجزاً عن فعل ذلك فيعلق المشكلة على مشجب التشريعات. ضعف الاحزاب وعلاقته بالتشريعات اشبه بقضية البيضة والدجاجة، فهل القانون يولد احزاباً قوية، ام ان الاحزاب القوية قادرة على انتاج حياة سياسية حقيقية؟ وحتى فكرة القائمة النسبية في قانون الانتخاب، التي من المفترض ان تعطي للقوائم السياسية او الاجتماعية او الحزبية نسبة من المقاعد، فهل وجودها سيحل مشكلة ضعف الاحزاب، ام انه سيعطي للقوى القوية حضوراً اكبر وسيبقي على الضعيف في مكانه، وحتى لو انتظرنا سنوات بعد تطبيق هذه القوانين، فهل سنكون على موعد مع حياة حزبية قوية, ومؤسسات سياسية متماسكة؟ هذا الامر يحتاج الى اختبار، وهي فرضية لا يمكن التسليم بها، وان كان وجودها كفرضية لا يعني عدم السعي لتعديل التشريعات، لكن من يسلمون بها ويتعاملون معها كقانون مطالبين بوقفة لم تمارسها احزابنا الاردنية بلا استثناء، إذ لم نشاهد اي عملية تقويم داخلي جاد في اي حزب. ولم تقم اي قيادة حزبية بغير الشكوى من مشكلاتها المالية او مشكلة العضوية او على الأقل ثبات الاعضاء من حيث العدد. بل ان منظومة الانشقاقات تتوالى وتجارب الاندماج او التحالفات تصاب بالانتكاس او في احسن الاحوال تتحول الى اطر شكلية سقفها الحد الادنى من القضايا والبيانات. وبعض احزابنا تحولت فقط الى هيئات قيادية، دون ان تمتلك قاعدة حقيقية من الاعضاء، وبعضها في سجلاتها اعضاء، لكنهم عديمو التواصل مع احزابهم، وربما نسي بعضهم انه عضو في حزبه للمسافة الزمنية التي تفصله عن اخر نشاط او لقاء او حتى بيان، اي انها علاقة شكلية، والعجز في هذه الاحزاب ليس في استقطاب اعضاء جدد، بل في المحافظة على من سجلوا اسماءهم في سجلات الحزب. الموضوعية تتمثل بان يتم تصنيف مشكلات الحياة الحزبية، ما بين الجزء المرتبط بالتشريعات والاجزاء المرتبطة بعوامل اخرى. ومن يسعى لتقوية الحياة الحزبية بشكل جاد ودون تموية او سعي للبحث عن مبررات الضعف فعليه ان يمارس جهداً حقيقياً لانجاز ما عليه ثم انتظار التشريعات. فالمصداقية والبرامج وثقة الناس والمؤامرات الداخلية واسباب الانشقاقات وهيمنة فئة او فرد والشللية وكل الامراض الاخرى لا علاقة لها بالتشريعات. ووجود نواب لاي حزب في البرلمان ليس صك غفران من كل الامراض والعيوب، وبعض احزابنا لن يتغير حالها حتى لو عاشت في ظل القانون الفرنسي او السويدي، فمشكلتها الحقيقية في بنيتها التي لا علاقة لها بالتشريعات. [email protected] المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان