معضلة التشغيل في الأردن وطوابير ديوان الخدمة المدنية

يتحدث رئيس ديوان الخدمة المدنية عن مخزون تراكمي من طلبات التوظيف في الجهاز الحكومي يصل إلى 423 ألف طلب تستطيع الحكومة أن توظف منهم سنوياً ثمانية آلاف، أي أننا نحتاج إلى نصف قرن من أجل توظيفهم، ذلك دون أن نفكر حتى في الأعداد التي تتزايد سنوياً من الخريجين الذين يتقدمون بطلبات التعيين.اضافة اعلان
نسبة كبيرة من الرقم متواجدة في صفوف البطالة التي وصلت إلى أرقام قياسية في العامين الأخيرين، ونسبة أخرى قد تكون هي الأكبر تعمل في مهن مؤقتة أو غير مريحة أو لا تلبي طموحات شاغليها، مثل العاملين في تطبيقات النقل وتوصيل الطلبات للمنازل، أو في وظائف أخرى في القطاع الخاص لا تستطيع أن توفر الأمان الوظيفي ولا بيئة العمل المناسبة، وهو ما يجعلهم يتطلعون إلى وظيفة حكومية تدخلهم في راحة واستقرار البيروقراطية الوطنية.
توفر الوظيفة الحكومية بجانب الاستقرار دخلاً يصل في متوسطه إلى 600 دينار بما يتجاوز كثيراً متوسط الدخل في القطاع الخاص الذي يدور حول 450 ديناراً، وسبب تدني الرواتب في القطاع الخاص على الرغم من وجود أرقام يعتبرها الأردنيون فلكية في بعض الشركات يرجع إلى وجود النسبة الكبيرة من العاملين يقبلون بأرقام تكون أحياناً أقل من الحد الأدنى للأجور، مثل العاملات في وظائف السكرتارية في العيادات الصحية أو المربيات في حضانات الأطفال، وفي ظل واقع العمل في القطاع الخاص يمكن تفهم الإقبال الكبير على القطاع العام.
في ظل عجز الحكومة عن استيعاب المتقدمين بطلبات التوظيف والمرشحين للتزايد باستمرار مع الخريجين الجدد عاماً بعد الآخر، فإن الحل المناسب يتمثل في العمل على النظر جدياً في ظروف القطاع الخاص، ومنحه الحوافز الكاملة، ضريبياً وتنظيمياً من أجل تشجيعه على استيعاب العاملين وتوفير البيئة المناسبة على المستوى المهني والنفسي، وبحيث يمكن أن يوجه القطاع من خلال المزايا التشجيعية والوفورات الضريبية فرصاً للتشغيل ترفع عن عبء الحكومة هذه المهمة الثقيلة.
تتوجب مراجعة قانون العمل بحيث يعالج موضوعات كثيرة تتعلق بالقوى البشرية، إلا أن ذلك ليس مجانياً على أية حال، فثمة نقطة توازن بين المصالح يجب أن تحضر، وإلا فإن المستثمر سيبحث عن مكان آخر، أما منظومة الاستثمار فقصة أخرى، ويبدو أنها القصة الأطول والأصعب والأكثر تعقيداً من جميع الحديث عن إصلاح سياسي أو إداري، ولا أحد في الأردن يمكنه أن يعرف فعلياً جذور الأسطورة التي تجعل التعامل الصلف مع المستثمرين مرتبطة بالنزاهة والاعتداد الوطني.
أمام الأردن فرصة ربما لن تتكرر في مشروع الشام الجديد، وفرص أخرى للدخول في تحالفات اقليمية، فالحروب لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، وإعادة الإعمار تتطلب كفاءات كثيرة، وتبقى المشكلة مرتبطة بجاهزيتنا لذلك، بالعمل على التقدم لتحويل الأردن إلى مركز استراتيجي في المنطقة، وهذا ما يتطلب مسؤولين يمتلكون الرؤية والجرأة.
هذه المعطيات ليست جديدة، ونمتلك رصيداً طائلاً من التنظير حولها، ومع ذلك يتوجب التذكير بصورة مستمرة بضرورة بناء اقتصاد مستدام يستند إلى تكامل القطاعين العام والخاص، وأن نتذكر أننا نتحدث عن مئات آلاف الشباب الذين تهدر سنوات من أعمارهم ويتركون فريسة للإحباط، وعلى المسؤول الذي يرفل في وظيفته ومزاياها أن يتحلى أخلاقياً بالشجاعة من أجل اتخاذ القرارات المؤجلة والمرحلة في عنق الزجاجة الذي دخلناه في التسعينيات الصاخبة ولم نخرج منه إلى اليوم.