معضلة الطفيلة!

لا مستفيد مما حدث على الدوار الرابع، مقابل رئاسة الوزراء، أول من أمس. فالرسالة التي تريد الدولة تقديمها هي "الإصلاح"، وليست تلك الصورة الإعلامية من فض الاعتصام بالقوة والاعتقالات، وتسخين الشارع. أمّا لدى الحراك، فالمطلوب "جني العنب وليس مقارعة الناطور"!اضافة اعلان
مؤسسات القرار باتت تشعر أنّ الطفيلة تتحول إلى "معضلة"، في اللحظة الراهنة. فالدولة ماضية في أجندة محددة نحو انتخابات مبكّرة، لكنها تواجه ارتفاعاً غير مسبوق في سقف الشعارات والهتافات من الطفيلة. ويخشى مسؤولون أنّ الصمت الرسمي سيشجّع على تكريس هذا الخطاب في الشارع، بينما الاستجابة الأمنية معه تولّد مزيداً من ردود الفعل الغاضبة والساخطة. وثبت أنّ القصة لن تنتهي باعتقال "مفاتيح" الحراك من الشباب الجديد، فما الحل؟..
قبل البحث عن الحل، يفترض أن نفهم ما يحدث. فالحالة في الطفيلة مثل باقي المحافظات، لكن هناك بدرجة أعلى؛ فثمة كرة متدحرجة من التراكمات التاريخية والعوامل السياسية والاقتصادية-الاجتماعية المتشابكة، وما يزيد الطين بلّة تلك المفاتيح الخاطئة التي استخدمتها الدولة في التعامل مع "الأزمة"!
الحوار العميق والاستماع لصوت الطفيلة هو مفتاح الحل. الطريق تبدأ من هنا، وليست الإجراءات الحالية صحيّة ولا مفيدة، فهي تجذّر الفجوة مع الدولة. سيبادر بعض المسؤولين إلى الرد على ذلك بأنّ الدولة فتحت بالفعل قنوات مع الحراك، ولم تنته المشكلة!
إلى الآن، لا تعدو القنوات المفتوحة أن تكون محاولة تجفيف الحراك واحتوائه، والتعامل معه بوصفه قضية مطلبية أو خدماتية أو مجرد مشكلة اقتصادية، وربما أجندات شخصية غاضبة تتوارى خلف الحراك! لم نجد محاولة لحوار عميق حقيقي يوضّح للشباب تصور الدولة للمرحلة القادمة، ويجيب عن أسئلتهم واعتراضاتهم، ويحاول بناء جسور متينة معهم.
الخطوة الأولى (الآن) تتمثل في إطلاق سراح المعتقلين ونزع فتيل الأزمة الحالية، والتوقف عن بعث رسائل متضاربة ومتناقضة في الوقت نفسه، وأن تبادر شخصيات سياسية تمتلك المصداقية والثقة والاستقلالية والخطاب المعتدل إلى الحوار مع أبناء المحافظة بدايةً (ثم المحافظات الأخرى)، لتصوغ لنا رؤية لأسباب الاحتقان الداخلي العام، وفي الطفيلة كحالة واضحة ومتقدمة وصارخة، وتقدّم تصورها بهذا الخصوص، بعيداً عن الوصفات الجاهزة واللغة المعلّبة الدارجة التي يستخدمها المسؤولون في توصيف وتحليل ما يحدث!
ليست الأمور لدينا بالسوء المطلق، ولا بالسواد الكامل، ولم نصل إلى طريق اللاعودة. في الوقت نفسه، هنالك أجزاء رئيسة وحيوية في خطاب "الشباب السياسي الجديد" تتوافر على منطق مقنع وحجج صلبة تستحق المناقشة والحوار، لكن ما نسمعه من خطاب علني وفي الجلسات الخاصة من المسؤولين هو أقرب إلى حالة الإنكار وعدم الرغبة الحقيقية في إدراك حجم الأزمة وأبعادها، مما يؤدي إلى تناقض الرسائل والسياسات الرسمية في التعامل مع الحراك السياسي عموماً.
إحدى أهم الحلقات المفقودة تكمن في قدرة الدولة الاتصالية؛ فالدولة فشلت في بناء رسالتها السياسية والإعلامية والاتصالية مع الشارع، وهي تجني اليوم ثمن إهمال أهمية بناء إعلام محترف أو توفير المعلومات المطلوبة للإعلام المهني، فتركت الجميع نهباً للإشاعات والتحليلات التي قد تشطح بعيداً في كثير من الأحيان.
النجاح في كسب المشروعية أثناء الإعداد لحزمة التشريعات والإجراءات المطلوبة للانتخابات النيابية يتطلب إيجاد "حلقات وسيطة" من الشخصيات المعتدلة العقلانية لتخفيف حدة الاحتقان، وتقديم رؤية أكثر عمقاً ودقة وأمانة في تحديد جوانب الخلل، والوصول إلى فهم أكثر عمقاً وذكاءً لعبور المرحلة الانتقالية، أمّا الاختيارات الرسمية الراهنة فتضع الحطب على النار!

[email protected]