معضلة حرية التعبير

د.نهلا عبدالقادر المومني ما شهده الأردن من تطورات في مجلس النواب، وما تناقلته وسائل الإعلام من عراك وشجار وسجالات بين بعض أعضاء السلطة التشريعية يعكس حالة عامة يعيشها الوطن، فما حدث لم يكن منشئا لحالة جديدة وإنما كاشف لإشكاليات عميقة تتعلق بحرية التعبير وممارستها سلوكا وإيمانا متجذرا بها، لا التغني والمناداة بها بصورة شكلية لتتبدد عند أول اختبار حقيقي واختلاف في الآراء. ما حدث في مجلس النواب أعاد مجددًا إلى الأذهان مدى الحاجة إلى فهم مشترك لحرية التعبير عن الآراء يقوم في أساسه على ما كرسه الميثاق الوطني الأردني ابتداء في الفصل الثاني منه بأن الدولة الأردنية هي دولة القانون وهي دولة المواطنين جميعا مهما اختلفت أراؤهم أو تعددت اجتهاداتهم، وهي تستمد قوتها من التطبيق الفعلي المعلن لمبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص. وأن من أهم ضمانات النهج الديمقراطي الالتزام بمجموعة من المبادئ أهمها؛ احترام قواعد العمل الديمقراطي في السلوك العام للتنظيمات، وترسيخ قيم التسامح والموضوعية واحترام معتقدات غيرهم والنأي بالممارسات السياسية عن الصراعات الشخصية الضيقة وعن تجريح الأشخاص والمؤسسات، مع كفالة التعبير عن الرأي واعلانه بحرية كاملة. مرورا بما كرسه الدستور الأردني من كفالة الحق في حرية التعبير، وما أقرته المعايير الدولية لحقوق الانسان التي صادق عليها الاردن وأصبحت جزءا من المنظومة التشريعية الوطنية. وهنا لا بد من التساؤل، لماذا يتم التعامل مع القضايا موضع الخلاف بطريقة اسكات الصوت الآخر، واظهاره بصورة من يسعى للخراب والتدمير، وخلق جبهات مضادة، ليتفاقم الأمر الى خلافات فردية ضيقة لتتطور وتمسي حالة عامة ونموذجا بكل تأكيد لا يحتذى به، إلا أنه سيؤثر حتما في طريقة تفكير وممارسة الأجيال المتعاقبة وقدرتها على التعامل مع الاختلاف. في الواقع لقد أثرت هذه الصورة الذهنية الضبابية لمفهوم حرية التعبير وآلية ممارسته من قبل بعض أعضاء السلطة التشريعية في القوانين الصادرة عنها المتعلقة بحرية التعبير وحرية الصحافة والاعلام؛ فالاشكاليات المتجذرة في احتواء التنوع في الآراء وتقبلها جميعا وان اختلفنا معها أدى إلى منظومة تشريعية وسعت من نطاق الملاحقة الجزائية في قضايا حرية التعبير ووسعت من نطاق القيود والاستثناءات على هذه الحرية، فضبابية المفهوم حتما ستقود إلى ضبابية النص لتبقى معضلة حرية التعبير بانتظار حلول جذرية ليتمكن الفرد من التمتع بحقوقه كافة؛ فالحق في حرية التعبير حق بحد ذاته إلا أنه السبيل نحو المطالبة وممارسة حقوق الانسان جميعها.

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا

اضافة اعلان