معلماتنا الجميلات..

تنشط فعاليات رسمية وغير رسمية، في العالم كله هذه الأيام في الحديث عن التمييز والاضطهاد والعنف، وغيرها من العناوين التي تخص المرأة. مع حملات واسعة تحارب هذه الآفات الاجتماعية، يشارك فيها مشاهير الفن والرياضة والسياسة. اضافة اعلان
اليوم أحببت أن أتشارك وإياكم في عنوان واحد، هو التمييز في الأجور ما بين المرأة والرجل العاملين في القطاع نفسه، وبالأخص في قطاع التعليم عندنا، وذلك للتقدير الكبير لهذه الفئة المظلومة مهضومة الحقوق، وللمفاجأة طوعا من قبل معلماتنا المنجبرات، على أوضاع حقوقية وإنسانية سيئة جدا. فحري بنا لو لدينا أدنى ضمير، أن نظل نفتح هذا الجرح، ونسكب فيه الملح حتى يبرأ!
المعلمة في بلادنا يعتقد مسؤولونا، وكثير من فئات المجتمع، أن عملها في حقل التعليم الخاص مثلا، ما هو إلا رفاهية أو ترف زائد، الهدف منه الحصول على بضعة دنانير تصرفها على كمالياتها. هذا هو التفسير المنطقي الوحيد الذي يشرح الهوة الواسعة ما بين أجور المعلمات والمعلمين في الأردن، وأتحدث تحديدا عن المدارس الخاصة، حيث لا يرحم أصحابها المرأة العاملة في العموم، سواء كانت مديرة أو معلمة أو عاملة نظافة أو سكرتيرة. فالاعتبارات التي يسوقها متنفذو التعليم الخاص، ويبنون عليها حججهم في التمييز ما بين المرأة والرجل، هي الأسباب ذاتها المروجة الممجوجة المدهشة، في سياقات التبرير الذكوري الفذ، لهذه التفرقة والقائمة كالعادة على مبدأ القوامة الذكورية على المرأة، المفترض حسب آرائهم أنها مكلفة شرعا وقانونا وأخلاقا، من قبل رجل مسؤول عنها وعن مصاريفها! هذا بالطبع تماما الذي لا يحدث أبدا في مجتمعنا، إلا لماما ولمن يمتلك فعلا قدرة مادية تسمح لهما بهذا “الدلع”، أو مع نسبة ربما لا تتجاوز الواحد بالمائة ممن يعتقد بأحقية المرأة في التصرف بمصادرها المالية.
المعلمة، معلمة بناتنا وأولادنا في الصفوف الصغيرة، ومن ثم معلمة البنات في الصفوف الأكبر، هي الشخص الثاني الوحيد الذي نسمح له أن يكون شخصية أبنائنا منذ نعومة أظفارهم. وهي الشخص الثاني مباشرة في التأثير والتطوير والإنماء العقلي والثقافي والوجداني لهم. ومع ذلك نسمح لقوانين بالية ومنظومات تعليمية فاسدة أن تحرمها حقها الطبيعي في المكافأة المادية، أسوة بزميلها الرجل في المدارس. المعلمة التي تدخل الصف وتقول قيام، هي التي تقيم بيتها وأولادها وربما أهلها إن لم تكن متزوجة، وتفعل ذلك دائما عن طيب خاطر وبدون مزاودات في قصة التضحيات، التي يقدمها البعض كحكايات بطولية نادرة!
المعلمة التي تأخد قسطا من بيتها وقسطا من أبنائها وأقساطا من صحتها وحريتها، لتقوم بواجبها كما يبنغي لها أن تفعل، من أجل أن تسدد أقساطا متراكمة على أسرتها الصغيرة والكبيرة، علينا جميعا أن نقف إلى جانبها. ونبدأ بحملات فضح وتشهير المدارس الخاصة التي تجبرها على التوقيع على عقد “خارجي”، يضمن حقوقها القانونية، فيما كل ما تستلمه لا يتعدى نصف الحق ماليا وإداريا، هذا إذا فتحنا موضوع الإجازات وعقود الشهور التسعة!
للأسف، بل وللأسف الغريب، أن غالبية تلك المدارس أصحابها من السيدات! وهذه ظاهرة يجب الوقوف عندها مليا، وتحتاج إلى تفسير علمي منطقي يفسر ظلم المرأة للمرأة، خصوصا في حقل عمل يعد من أشرف الحقول وأكثرها احتراما وقيمة “هذا هو المفروض”.
وللأسف أيضا، أن موضة الاستحقاقات المالية المجتزأة للمعلمات، تنسحب أيضا على الدروس الخصوصية؛ حيث التفرقة ما بين المدرسين الأنثى والذكر كبير وغير مفهوم، رغم أن المعلمة التي تضطر لهذا العمل الإضافي، مؤكد تفعل ذلك لنفس الدواعي الاجتماعية والاقتصادية.
أدعي أن هذه ليست المرة الأولى التي نكتب بها زملائي وأنا حول هذا الظلم القاهر، مع دعوات إلى وزير التربية والتعليم ومديري التعليم الخاص، إلى فرض المراقبة على المؤسسات التعليمية عديمة الضمير، لكن للأسف الأمر آخذ في الاستفحال والتجني على معلماتنا الجميلات.