معلمو القطاع الخاص: حلقة ضعيفة وحماية غائبة

ألحقت أزمة كورونا وتأثيراتها الكثيرَ من الصعوبات والأضرار بقطاعات عديدة، كان منها قطاع التعليم الخاص ومدارسه، التي سارع عدد كبير منها إلى عكس الأزمة باتجاه المعلمين والعاملين فيها.اضافة اعلان
إجراءات عدة اتخذتها مدارس بحق معلميها، ما بين إنهاء عقودهم وخفض رواتبهم أو حجبها دون أن يجد هؤلاء المعلمون حماية لهم، ولعل السبب الأبرز لذلك هو غياب التدخل الرسمي من خلال وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل المسؤولتين عن تنظيم العلاقة بين المدرسة والمعلم، وبالتالي ترك المجال لتفرّد إدارات المدارس في التصرف تجاه العاملين لديها.
الأزمة متشابكة وتتداخل فيها عدة أطراف؛ فالمدرسة وإدارتها طرف، والمعلم طرف، وأولياء الأمور أيضا طرف، ولذلك فهناك حاجة كبيرة لفرض آلية لتعامل هذه الأطراف تجاه بعضها البعض في ظل تبعات الأزمة حتى لا تضيع حقوق أي منها.
المدارس الخاصة في المملكة ليست جميعها بنفس المستوى، وإنما هناك ما يقارب خمسة مستويات لهذه المدارس، وبالتالي فإنه ليس من المنطقي أبدا أن نجد سلوكا شبه موحّد من المدارس تجاه معلميها جراء الأزمة، بإبداء حالة التعثر المالي وحجب الرواتب عن المعلمين نتيجة إحجام بعض أولياء الأمور عن تسديد الرواتب.
معظم المدارس الخاصة هي مؤسسات مليئة ماليا وتتقاضى الرسوم الدراسية أو النسبة الأكبر منها بداية العام الدراسي، والبعض يتقاضى الرسوم مع بداية كل فصل دراسي، ونعلم جيدا أن تعطيل المدارس للوقاية من الجائحة كان منتصف شهر آذار أي بعد بداية الفصل الدراسي الثاني بأكثر من شهر، وعليه فإن الغالبية العظمى للمدارس يفترض أنها استوفت رسوم العام الدراسي كاملا.
يبقى هناك فئة قليلة من المدارس يمكن تفهم تعثرها نتيجة الأزمة كونها بالأصل مؤسسات صغيرة ومنخفضة الرسوم ومعظم منتسبيها من أبناء الأسر محدودة الدخل غير القادرين على التسديد بدفعات كبيرة، وهذا يقودنا مجددا للقول بأن تقصير وزارة التربية والتعليم في وضع تصنيف للمدارس الخاصة كان سببا رئيسيا لإعطاء المجال لمدارس كبيرة وصلبة للتذرع بالأزمة واتخاذ إجراءات مجحفة بحق معلميها.
على الجانب الآخر، فقد كان لغياب التدخل الرسمي لتنظيم العلاقة بين المدارس وأولياء الأمور آثار سلبية على الطرفين، ما انعكس بالنهاية على الحلقة الأضعف في المعادلة وهو المعلم.
ففي الوقت الذي تطالب فيه شريحة كبيرة من أولياء الأمور بخصم أو إعادة جزء من الرسوم المدرسية نظرا لعدم استفادة أبنائهم من بعض الخدمات كالمواصلات والأنشطة والمرافق وهي مطالب قد تحمل وجه حق كبير، هرعت إدارات المدارس للشكوى من عدم قدرتها على صرف رواتب المعلمين وقامت بحجبها أو جزء منها، دون وجود متابعة أو تحرٍ حول ما إذا كانت المدارس المشتكية لم تستوف بالفعل رسوم التدريس بما لا يمكنها من صرف رواتب العاملين.
غياب هذه الرقابة وغياب التدخل الرسمي في تحديد آلية تعامل المدارس مع أولياء الأمور بخصوص الرسوم، أنتج أيضا حالة من عدم العدالة تتجلى في قيام بعض المدارس بالاستجابة لمطالبات الأهالي بخصم أو إعادة نسب مختلفة من الرسوم في حين لم تستجب مدارس أخرى كثيرة، دون وجود أي أساس لذلك، بمعنى أن الأمر ترك لتقدير المدرسة ولتفاعل مالكيها مع ظروف أولياء الأمور الصعبة، وهذا أمر غير مقبول، فالأصل أن تكون هناك آلية موحّدة بهذا الخصوص تنطبق على جميع المدارس وتتحقق لجميع الأهالي، شرط أن لا تؤثر على رواتب المعلمين.
ليس مقبولا هذا التخلّي الحكومي عن إدارة هذا الملف وتنظيمه ومنع تغول مالكي المدارس الخاصة على معلميهم من جهة وعلى أولياء الأمور من جهة أخرى، وإفساح المجال للبعض لإرضاء «الزبائن» وأعني أولياء الأمور على حساب عمود العملية التعليمية وركنها الأساس؛ المعلم.