معلمو القطاع الخاص: مسؤولية من؟

بين وزارتي التربية والتعليم والعمل، ونقابة المعلمين تجري مياه كثيرة يبدو أنها تسير بعكس ما يشتهيه معلمو ومعلمات القطاع الخاص. ثمة عمل ممنهج تقوم به مدارس خاصة عديدة لهضم حقوق العاملين في هذا القطاع، وللتجاوز عن أبسط الأشياء التي وقعوا على أساسها عقود عملهم في تلك المدارس.اضافة اعلان
قبل أيام، ورغبة مني في التواصل مع العاملين في هذا القطاع، وضعت إعلانا على فيسبوك يقول: "إلى المعلمات والمعلمين الكرام: لغايات صحفية، أرجو من أي شخص أجبرته المدرسة الخاصة على توقيع كمبيالات، أو لا تلتزم المدرسة بتحويل الراتب إلى البنك، مراسلتي على الخاص- السرية محفوظة ومصانة".
توقعت أن تأتيني رسائل من بعض من يعانون من سياسات مدارس خاصة جبرية ومتحكمة برزقهم لكنني لم أتخيل أبدا أن تكون بهذا الكم، ولا أن تكون بمثل هذا التفنن والتنوع في طبيعة الانتهاكات.
عشرات المعلمين والمعلمات اشتكوا من قيام إدارات المدارس التي يعملون بها بإجبارهم على توقيع كمبيالات بمبالغ تعادل رواتبهم، ومنها ما يفوق قيمة الرواتب بأضعاف.
أخبرني كثيرون بأن مدارسهم تحصل على هذه الكمبيالات للالتفاف على النصوص والإجراءات القانونية المتعلقة بالحد الأدنى للأجور وتحويل رواتب المعلمين إلى حساباتهم البنكية وتحويل نسب تحمل المدارس من اشتراكات موظفيها في الضمان الاجتماعي، حيث تقوم المدرسة بتحويل الراتب وفق الشروط ثم تسترد جزءا مما دفعته من المعلم بتسييل هذه الكمبيالات.
آخرون قالوا بأن مدارسهم تستخدم هذه الكمبيالات لاستعادة كامل رواتب المعلمين عن أشهر العطلة الصيفية التي يلزمها القانون بتسديدها، فيما يحصل كثير من المدارس على مثل هذه الكمبيالات كـ"ضمان" أو بالأحرى كوسيلة ضغط على المعلم في حال نشوب أي خلاف بين الطرفين.
شكاوى أخرى عديدة وصلتني من معلمين ومعلمات حول تأخر مدارس في صرف رواتبهم، وحول قيام مدارس بإنهاء عقودهم في نهاية دوام العام الدراسي على أن يتم إعادتهم للعمل بعقود جديدة بداية العام التالي، وذلك تهربا من دفع رواتب المعلمين المستحقة لهم عن العطلة الصيفية.
المشكلة أن عددا كبيرا من هؤلاء المعلمين قدموا شكاوى رسمية لوزارة العمل، لكن ما يجري في أغلب الأحيان هو قيام لجان التفتيش بتغريم المدرسة المخالفة، وبدورها تقوم المدرسة بتسديد الغرامة التي تقل قيمتها كثيرا عن قيمة الالتزامات المترتبة عليها تجاه مدرسيها، وهكذا ينتهي الأمر غالبا.
لكن الكارثة أنه في أحيان كثيرة يتفاجأ المعلمون المشتكون بتعسف إدارات مدارسهم في التعامل معهم كرد فعل على الشكوى، ما يعني أن هناك موظفين في وزارة العمل لا يتعاملون مع الشكاوى بسرية كما يفترض، وإنما يقومون بتسريب أسماء المشتكين لإدارات مدارسهم، وهو ما أدى بكثيرين إلى الخوف من فقدان وظائفهم إذا قاموا بالتبليغ عن الانتهاكات الصارخة المرتكبة بحقهم.
هذه مجرد أمثلة على تلك الانتهاكات استطعت التحصل عليها من مجرد إعلان بسيط على صفحتي كان لغايات صحفية فحسب، فكيف يمكن لنا أن نقبل أعذار الوزارات والمؤسسات والنقابات المعنية بذريعة أنها لا تعرف. هل حقا هي لا تعرف، أم أنها لا تريد أن تعرف!
منذ سنوات يتناول الإعلام أنواعا عديدة من الانتهاكات الواقعة على معلمين ومعلمات في القطاع الخاص، كون المدارس الخاصة تعتبر أنهم الحلقة الأضعف، وفي كثير من الحالات يشتكون من عدم وجود جهة تسمع شكاواهم وصراخهم، أو تأبه بتلك الشكاوى والصرخات إن هي سمعتها، حتى النقابة العتيدة لم تستطع أن توفر لهم الحماية التي توفرها لمعلمي القطاع العام. ويتساءلون بحسرة: هل هي معايير مزدوجة يحتمها تداخل في المصالح؟ أم عجزٌ عن النظر إلى هذا القطاع بعدالة وموضوعية؟
وماذا بشأن وزارة العمل؟ كيف يمكن إعفاؤها من مسؤوليتها وغض الطرف عن تقاعسها في هذا الملف؟
فصراخ وشكاوى معلمي القطاع الخاص امتدت على مدار سنوات طويلة من غير أن يجدوا أي إنصاف تجاه قضيتهم العمالية. وإن لم يجدوا في القريب العاجل، فسوف لا يبقى لنا خيار سوى أن نرخي آذاننا لجميع الأقاويل والاتهامات، وأن نصدقها.