معنى الشرف!

زرت فلسطين–الضفة الغربية  العام 1986، وكنتُ ما أزال طالبا في المدرسة. يومها أهداني ابن عمتي الذي يعمل في مطبعة نسخة غير واضحة من كتاب أعيدت طباعته سراً، بناء على تعليمات قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج، بحسب كلماته.اضافة اعلان
تحدث الكتاب عن عصام الذي سقط في العمالة أثناء عمله في مطعم في "إسرائيل" في سن 12، وكبُر عميلا، وأسقط صاحبة صالون تجميل استخدمت محلها لإسقاط الفتيات بتخديرهن وتصويرهن عاريات وبأوضاع يمكن ابتزازهن معها ليسلكن طريق العمالة. ويعرض الكتاب قصة فتاة تدعى أسماء يتم تصويرها في الصالون، ويبدأ ابتزازها لدفعها للتعاون مع عصام. وبعد ملابسات وصراع تعيشه، تكتب قصتها، وتتركها قبل انتحارها خوفا من الفضيحة، وتخليصا لأهلها من العار! فيما يُقتل عصام على يد المناضلين.
لم تصدمني قصص الكتاب، الذي أريد توزيعه توعية للجمهور من أساليب الإسقاط، بقدر السؤال: هل كان على أسماء الانتحار؟ لم أكن أعرف حينها قسوة المجتمع.
ارتبطت قصيدة مظفر النواب الشهيرة "القدس عروس عروبتكم" لدي بهذه القصة، وتحديدا عبارة "هل تسكت مغتصَبة؟". ولكن القصة تكررت كثيرا. وعلى درج نقابة الصحفيين في القاهرة في العام 2005، تم التحرش بالفتاة نوال علي التي كانت تمر قرب تظاهرة احتجاجية، ذاهبة لحضور دورة تدريبية. دخلت نوال سلسلة تداعيات اجتماعية ومهنية مرتبطة بالحادثة، دمرّت حياتها، قبل موتها بالسرطان. يوم الواقعة، قالت صحيفة الأهرام إنّ "إحدى المتظاهرات مزقت ملابسها وادعت أن متظاهري (الحزب) الوطني هم من مزقوها".
جاء حادث الاعتداء على الفتيات والنساء في الشارع المصري قبل أيّام، وتعريتهن من قبل رجال الجيش المصري، لتستثير ردود أفعال شعرتُ في بدايتها أنّها رد اعتبار جزئي لأسماء ونوال وغيرهن. وخرجت نساء وفتيات مصريات إلى الشارع معترضات، رأيتُ في تظاهرهن رداً على أمثال "الرئيس اليمني" علي عبدالله صالح، الذي لعب على وتر "تابو" الاختلاط لإجهاض الثورة، وعلى أجهزة أمن لطالما اعتدت على النساء والرجال.
ولكن قراءة ثانية أظهرت العكس. أحد الأمثلة المذيع خالد عبدالله، في قناة "الناس" التي تعد منبرا سلفياً في مصر، استهزأ من انتقاد محمد البرادعي المرشح المحتمل للرئاسة، للمجلس العسكري بسبب الحادثة، وعلق ساخراً: "يا واد يا مؤمن". ويتساءل: "منتقبة؟! ما الذي أنزلها في هذا المكان، في هذا الوقت؟". ويقول "لا نعرف من أين هي". ويضيف "الكل يدافع عن المنتقبة، هل أصبحت المنتقبة ثورية الآن؟ يا نصابين"! الكاتبة لميس جابر، هاجمت في صحيفة الوفد "الليبرالية"، الضحية بقسوة، وقالت إنّ ما قامت به "نوع من الاستعراض و(الإستربتيز) حتى تنهمر الكاميرات فوق ملابسها الداخلية ليصبح جندي الجيش المسكين هو السفاح الذي يهتك الأعراض". أمّا المذيع توفيق عكاشة (قناة الفراعين)، فتناول المشهد "المفبرك" واضعا فرضياته لتفسير لبس عباءة خفيفة شتاءً، كما يقول، وهو ربما شُرب "كأسين" (خمر)، أو "حبتين" (مخدرات).
سلفيون آخرون اتخذوا مواقف مختلفة؛ فقال أحمد نور، إن "خروج النساء موقف وطني.. وواجب شرعي عندما يكون تعبيرا عن رفض انتهاك حرمة الناس، سواء كانت مسلمة أو مسيحية". ليبراليا، كتب محمود النجار في الوفد "من تركوا الفتاة التي سُحلت وضُربت بوحشية، ونظروا إلى ما كشفت عنه ثيابها التي نُزعت عنوة، لم يتساءلوا عن سر هذا الغل والوحشية، ورأوا فقط ملابسها الداخلية. وحتى حين اعترف المجلس العسكري بصحة الفيديو ظلوا يشككون فيه، وبقيت أسئلتهم كيف ترضى إنسانة محترمة ارتداء هذه الملابس".
تسجيل "سحل" الفتاة يََظهَر في طرفه رجل يرتدي قميصا أبيض، يحاول الابتعاد وتحاشي الحدث، ولكنه يتعرض في النهاية لضرب وحشي. ربما ستكون النصيحة التالية ممن اعتادوا لوم الضحية، عدم خروج الناس من بيوتهم!
توقفوا عند العري، ونسوا باقي تفاصيل الاعتداءات والضرب، والجرحى الذين نكّل بهم الجنود، ولم يذهبوا للحديث مع من شهدوا الوقائع. وأنا أقرأ في الصحافة أن إحدى صفحات "الفيسبوك" التي انتصرت للفتاة عنوانها "نحن آسفون يا ست البنات"، أتساءل: هل يجدي الأسف وحده؟! وأتساءل متى سيستقيم مفهوم الشرف والكرامة في مجتمعنا؟!

[email protected]