معنى المواجهة في شوارع عمان

الأمر مقلق بجد؛ كل الأطراف تتجاوز قواعد اللعبة بدون إدراك العواقب، وتدفع نحو التأزيم والتصعيد على نحو ينذر بالصدام.
الحكومة مصممة على محاكمة نشطاء الحراك، والتوسع في الاعتقالات، رغم تجارب سابقة أظهرت أن القمع يرفع من سخونة الشعارات ولا يحد منها. ليلة أول من أمس خير دليل على ذلك؛ فقد شهدت مسيرة أبناء حي الطفايلة قبالة الديوان الملكي تجاوزات كبيرة في الشعارات، سنسمع مثلها وأكثر في مسيرة الجمعة، إذا لم يكن هناك حل سريع لمشكلة المعتقلين من نشطاء الحراك.اضافة اعلان
الإسلاميون تتملكهم رغبة في التحدي والاستعراض. يمكن للمرء أن يتفهم الدعوة إلى مسيرة حاشدة كالتي تخطط لها الحركة الإسلامية قبل إقرار قانون الانتخاب مثلا، للضغط من أجل تعديله. لكن ما الجدوى من المسيرة الآن بعد أن اقتربنا من تحديد موعد الانتخابات، وإقبال نحو مليونين على التسجيل في قيود الناخبين؟!
الإسلاميون قرروا مقاطعة الانتخابات، وهذا من حقهم. ولديهم وسائل للتعبير عن هذا الموقف خلال الأشهر التي تفصلنا عن موعد الانتخابات، بدون الحاجة إلى حشد عشرات الآلاف في يوم واحد ومكان واحد، وكأننا على موعد مع "معركة" فاصلة لا بد من حسمها!
في مواجهة روح "التمرد" عند الإسلاميين، تتبنى أوساط في الدولة خطابا تصعيديا في الإعلام وعلى الأرض، وتدفع إلى حشد أضعاف من أنصارها في المكان نفسه. ماذا يعني ذلك غير الصدام؟! هل يقدّر الطرفان ما معنى المواجهة في شوارع عمان؟!
ستكون لحظة كارثية بلا شك.
الحراك الشعبي لم يعد كما كان في بداياته؛ فقد نالت منه أمراض التنظيمات السياسية. الدولة والحركة الإسلامية تتحملان المسؤولية عن حالة التشظي التي أصابته، حتى أصبح لدينا 55 حراكا في 12 محافظة، ومثل هذا العدد أو أقل يتحرك بعناوين أخرى.
لم يدرك القائمون على الحراكات أن رفع سقف الشعارات لن يعجل في تحقيق الأهداف؛ على العكس تماما، فهو يجعل السلطة أكثر عدائية وتصلبا. وهو أحد أسباب الانشقاقات المتوالية في المجاميع الناشطة في المحافظات والعاصمة.
لم تستفد الدولة من الفرصة التاريخية التي أتاحها الربيع العربي؛ فقد ناصبت الحراك العداء منذ البداية، واشتغلت على تفتيته بكل الوسائل. والحركة الإسلامية بدورها لم تتقبل بروز قوة منافسة في الشارع، وأصبح جل همها وضع الحراك تحت إبطها.
كلا الطرفين نجحا للأسف؛ الحراك تحول إلى لوحة فسيفسائية تصعب قراءتها، والتيارات الغالبة فيه انضوت تحت راية الحركة الإسلامية.
بمعنى آخر، عدنا إلى الثنائية التقليدية؛ الدولة والإسلاميين، وكأن الربيع العربي لم يطرق أبوابنا.
الجمعة المقبلة سيقف الطرفان من جديد وجها لوجه في الشارع، بينما الأغلبية من الأردنيين تتفرج بحسرة.