مغتربون بانتظار بارقة أمل تخفف أعباءهم النفسية وتعيدهم للوطن

مجد جابر

عمان - ما تزال تبعات أزمة كورونا تلقي بظلالها على كافة الصعد، ويعد المغتربون خارج أوطانهم، من الفئات الأكثر تضررا نظرا للمشهد الضبابي الذي لا يشي بعد بشيء قادم قد يسهم بتقليل الضغط والخوف والقلق من المجهول.اضافة اعلان
مغتربون وعائلاتهم يعانون ظروفا اجتماعية واقتصادية ونفسية صعبة، خصوصا من تم الاستغناء عن خدماته، أو من قرر الانتقال للعيش في الوطن مع عائلته ونقل أولاده لمدارس محلية بعد أن قلّ دخله عن السابق، أو من كان يعاني من مشكلات صحية أو كان ضيفا عند أحدهم ولا يستطيع القدوم مجددا مع استمرار الإغلاق وشروط الحجر الصحي والمنزلي.
المصاريف العالية التي يتطلبها القدوم مع شروط الحجر الصحي والمنزلي، ومع قلة الدخل وتأثر قطاعات عدة بجائحة كورونا، جعلت العائلات في غير مأمن، وكذلك غياب القدرة على الانتظار مع مصاريف كبيرة من إيجار البيت وأقساط المدرسة، والتزامات لا تنتهي في بلاد الغربة.
الترقب والانتظار والمستقبل المجهول غير واضح المعالم، هي أفكار تسيطر على أحمد عبدالرحمن الذي يعيش في إحدى البلدان الخليجية. أحمد كان قد قرر استضافة والديه المسنين قبل خمسة أشهر لقضاء إجازة تقارب الشهر ومن ثم العودة الى الأردن، غير أن جائحة كورونا أجبرتهم على المكوث هنالك فترة طويلة.
ومنذ فترة، أصبح والداه يشعران بالضجر والتعب بسبب غيابهما الطويل عن الوطن وعن المنزل، وتفاقم الأمر بعد أن اتخذ عمله قرارا بتوقيفه والاستغناء عن خدماته، وحينما قرر ترتيب إجراءات إعادتهما، اكتشف أن الأمر سيكلفه مبلغا كبيرا لا يستطيع تدبيره في الأحوال الحالية بسبب ما يتبعه من أعباء مادية من تذكرة وحجر صحي.
أحمد يقول إن الأمر ليس فقط عائقا ماديا بالنسبة له، إنما هناك أمور أخرى، فوالداه كبيران بالسن وبحاجة الى رعاية طبية في بلدهما ومع أشقائه هناك وأخذ الأدوية بمواعيد معينة، ومتابعة مستمرة.
كل تلك الأمور، جعلت أحمد يعيش حالة من القلق، فهو لا يعرف كيف يتصرف وبذات الوقت يعيش ضغطا نفسيا كبيرا بات غير قادر على تحمله.
في حين أن إبراهيم محمود هو شخص آخر يشاهد يوميا الحزن وخيبة الأمل على وجه أبنائه، الذين ينتظرون طوال العام انتهاء الفصل الدراسي للنزول الى بيت جدهم في العطلة الصيفية وقضاء الوقت معهم، وانتظار زوجته طوال العام لترى عائلتها ووالديها المسنين في عطلة الصيف عند عودتهم للأردن.
غير أن الحال اختلف هذا العام، وكان ما يزال لديهم أمل بفتح المطارات، لكنه في الوقت ذاته لا يملك القدرة المادية التي تمكنه من مصاريف الحجر الصحي لمدة أسبوعين كاملين، خصوصاً وأنها مصاريف لستة أشخاص؛ أبناؤه الأربعة وهو وزوجته، وهو لا يقوى عليها.
الشاب مراد تم إنهاء خدماته من عمله، وهو منذ ثلاثة أشهر بدون وظيفة ويصرف مما تبقى معه من مال كان قد وفره.
يقول مراد إنه يرغب كثيرا في العودة الى الأردن، الا أن القرارات التي حدثت مؤخراً جعلته يقف حائراً تماماً بالتفكير بالتصرف الصحيح الذي يقوم به، فهو لا يستطيع البقاء في بلاد الغربة بدون وظيفة، وفي الوقت ذاته ما تبقى معه لا يكفي لمصاريف الحجر الصحي الذي يعد فوق طاقته كثيراً.
ويذهب الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي، الى أن وجود العائلات خارج الأردن بسبب هذه الجائحة وعدم قدرتهم على العودة منذ المنتصف من آذار (مارس) بسبب توقف المطار وحركة النقل أوجد معاناة كبيرة جدا، وزاد هذا العبء على الناس أكثر بعد أن كانوا يعتقدون أنها ستفرج نهاية الشهر الماضي.
ويشير الخزاعي الى أن المعظم أو الأغلب لا يستطيع توفير الإمكانيات المادية المطلوبة، وهناك فئة بقيت عالقة خارج الأردن وكانت في زيارة ولم تستطع توفير مصاريف جلوسها بعيداً عن بيتها، مبيناً ضرورة معرفة حالات الناس مدى احتياجاتهم أو حتى تقسيمهم الى فئات وإعادة لم شملهم وعودتهم الى الأردن.
الكثير من المغتربين، وفق الخزاعي، اعتادوا على قضاء الإجازات مع عائلاتهم باعتبار أن إجازة الصيف هي المتنفس الوحيد لهم طوال السنة، كما أن كثيرا منهم لا يملكون مصاريف الإقامة في الحجر الصحي لهم ولعائلاتهم، عدا عن المدة الطويلة التي ربما تتعدى مدة إجازتهم.
وينبه لضرورة الأخذ بعين الاعتبار الكثير من الاعتبارات لكافة الفئات ومحاولة إيجاد حلول لها، خصوصاً من تقطعت بهم السبل في الخارج.
ومن ناحية نفسية، يرى الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن طبيعة الإنسان أنه يميل للحرية ويرفض القيود ويعيش بما يرضي احتياجاته كون ذلك ينعكس على حالته النفسية، مبينا أنه في أزمة كورونا جاءت الضرورة لتفرض شروطها وقيودها على الإنسان في كل العالم، بالتالي فإنه أمام الهدف العام يتضاءل الهدف الشخصي وحرية الإنسان.
من هنا، أصبح الإنسان في هذا الوقت بالذات يعاني من الخوف والقلق والتوتر، مبينا أنه في حالة المغتربين وعودتهم يكونون أمام خيارين، إما التنازل وتحمل التبعات المادية والنفسية والبقاء في الحجر فترة المدة المطلوبة ليصبحوا بالنهاية بين عائلتهم، أو أن يحملوا تعب الغربة والظروف الآنية الصعبة حتى تفرج الأمور.
ويشير مطارنة الى أن المصلحة العامة تغلب على المصلحة الشخصية في ظروف معينة، وهنا يأتي دور التضحية وهو ما يخفف من الوطأة النفسية على الإنسان، مبيناً أن الانعاكاسات النفسية لها أثر كبير في هذا الوقت، وقد تخلق حالة من الاختراق الداخلي وهو أمر لا مفر منه ولا بد من تحمله.
ويشير الى أن المسنين لابد أن يكون له مراعاة خاصة، فهم لا يحتملون البقاء خارج أوطانهم وبيوتهم مثل البقية، لافتاً الى أن هناك تأثيرات سلبية كثيرة وحالة من الضغط النفسي التي يعاني منها الإنسان، لذلك لا بد من حلول تقلل التبعات النفسية حتى تنتهي هذه المرحلة ويخرج منها الجميع بسلام.