مغزى مشاركة فئة "17 سنة" بالانتخابات!


من المفارقات لدينا، أن كثيراً من المسؤولين لا يتركون مناسبة ولا وسيلة إلا ويؤكدون من خلالهما، بشكل مباشر أو غير مباشر، أن الشعب غير ناضج سياسياً، وهو بالتالي غير مؤهل لصنع ديمقراطية أو ممارستها. لا بل ويزيدون على ذلك بالغمز من قناة أن الشعب غير مؤهل أيضاً لحياة حزبية أو تشكيل أحزاب يستطيع من خلالها تشكيل حكومات برلمانية.اضافة اعلان
والأمر الذي يدعو إلى الحيرة والشك، إزاء ذلك، أن يتم السماح لمن بلغ السابعة عشرة من عمره -والمقدر عددهم بحوالي 175 ألف شخص من كلا الجنسين- بممارسة الانتخاب.
فإذا كان من هم أنضج سياسياً وفكرياً وثقافياً، من هذه الفئة، مع كل الاحترام والتقدير لها، لا يستطيعون حسب مصطلحات ومفاهيم مسؤولين تشكيل حكومات برلمانية، ويتم نعتهم بأنهم غير ناضجين سياسياً؛ فكيف الحال بالنسبة إلى هؤلاء الشباب الذي جلهم لم يجتازوا بعد امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة؟
ويبدو أن لا أحد يعلم متى سيتم النضوج السياسي لنا كشعب، مع أن الإصلاح السياسي بدأ في وطننا في العقد التاسع من القرن الماضي، وتحديداً في العام 1989.
ولا أحد يعلم أيضاً ما هي الحكمة والمغزى من جعل الشباب من فئة 17 سنة يخوضون تجربة الانتخابات كناخبين، مع العلم أن تجربتهم في البرلمانات المدرسية غير ناجحة حتى الآن.
فالمعطيات والتقارير تشير إلى أن مرشحين، وبعضهم نواب سابقون وحزبيون ونقابيون، يواجهون صعوبات في تشكيل قوائم انتخابية خاصة بهم، وطريقة التعاطي معها. فكيف الأمر بالنسبة إلى هؤلاء الشباب؟
أما إذا كانت الحكومة تهدف من وراء ذلك إلى تعويدهم وتعليمهم على إنتاج برلمان مسؤول يحاسب ويراقب ويشرع، ويمنح ويحجب الثقة، وقبل ذلك تشكيل حكومات برلمانية أو كتل معارضة، فإننا نعتقد أن الخطوة جاءت متسرعة نوعاً ما. فالأولى أن يتم تأمين مثل ذلك الجو الديمقراطي لهم في المدارس والجامعات، لتكون بداية الطريق لتأهليهم نحو أجواء الانتخاب العام، وبالتالي إنتاج جيل جديد يعي تماماً معنى الإصلاح قولاً وفعلاً.
ويبقى السؤال: هل لدى هذه الفئة وعي سياسي كاف وقدرة على اختيار المرشح الأنسب، سواء كان حزبيا أو سياسيا أو نقابيا، بعيداً عن تأثير العائلة والعشيرة اللتين ما تزالان حتى يومنا هذا ديدن الكثير من الناخبين والمرشحين على حد سواء؟
إذ يحتاج هؤلاء الشباب إلى توعية وثقافة سياسية، خصوصا في ظل قانون انتخاب جديد يعاني أغلب الشعب الأردني من عدم فهمه، تقع معظمها على كاهل الهيئة المستقلة للانتخاب، إذا ما أرادت انجاح الانتخابات النيابية المقبلة. علماً أنه لا يفصلنا عن موعد الانتخاب سوى أقل من شهرين.
وكان الأجدر أن يتم ذلك قبل موعد الانتخابات بكثير، حتى يتسنى سماع آراء وملاحظات وأفكار الشباب، لتحفيزهم للمشاركة في الانتخابات، وبالتالي معالجة ظاهرة عزوف الشباب عن المشاركة في الانتخابات، والتي صاحبت التجارب الانتخابية السابقة.
صحيح أن المدارس أول صرح من صروح الديمقراطية، عن طريق انتخابات برلمانية طلابية، ومن خلالها يتم أيضاً زرع الوعي السياسي والثقافي والفكري والمعرفي لدى الطالب. لكن من يجزم بأن مدارسنا تقوم بزرع الوعي والثقافة السياسية في نفوس طلبتنا، وتعلمهم احترام التعددية والرأي والرأي الآخر؟
نخشى أن يتم ظلم هذه الفئة، من خلال انخراطها في عملية انتخابية الكثيرون يرون أنها لن تنتج مجلس نواب على مستوى الطموح، فلا يوجد هناك مدرسة واحدة، من شمال المملكة إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، عملت أو تعمل على تنشئة جيل واع سياسياً.
وحتى لا نظلم هذه الفئة، التي نعتقد أنها لم تتربَ على التفكير النقدي والحزبي وحرية الاختيار، نقول إن الكثير من الأردنيين لا يختارون المرشح على أساس برنامج أو فكر أو أسس حزبية، فالعشائرية ما تزال تسيطر على تفكيرهم.
إن إيجاد حكومات برلمانية لا يتطلب فقط مرشحين يخوضون الانتخابات على أسس حزبية أو برامجية، بل يتطلب أيضاً ناخبين حزبيين أو على الأقل لديهم وعي وثقافة سياسية.
نعم، الشباب لهم دور كبير في عملية إحداث التغيير، إذا ما تم اختيار مرشحين على أسس سليمة صحيحة، فذلك مشروط بوعي سياسي وتنشئة بناءة تقوم على الحوار واحترام الغير مهما كان رأيه أو فكره أو دينه.