مفاوضات سرية

كانت المفاوضات السرية، بين أطراف أي صراع، حلا لكثير من الصراعات، في هذا العالم، ووراء التهديدات بالحرب بين الخصوم، مفاوضات سرية، كثيرا، ما أدت الى فك عقد كثيرة، بين الخصوم في هذا العالم، والأدلة على ذلك كثيرة.اضافة اعلان
في التهديدات المتبادلة بين ايران والولايات المتحدة، صورة أخرى، تحدثك حول الخطر الشديد الذي قد يضرب كل العالم العربي، اذا وقعت الحرب، لأننا سنكون امام حرب إقليمية دولية، مهما اعتقد البعض ان واشنطن قادرة على بدء الحرب، لكنها بالتأكيد غير قادرة على وقفها وتحديد مساحاتها او جغرافيتها.
الاميركيون يقولون انهم ينتظرون اتصالا سياسيا من طهران، والايرانيون يقولون انهم لن يتصلوا بالاميركيين، والتهديدات المتبادلة، وتحريك القطع العسكرية، والرسائل الإيرانية عبر الخليج العربي واليمن والعراق، تتوالى.
المنطقة امام حل من اثنين، اما انفجار الحرب، وهي حرب إقليمية ممتدة ستشمل كل المشرق العربي، وسوف تترك تداعيات تتجاوز ايران ذاتها، نحو اغلب الدول العربية في المشرق العربي، وستكون حربا طويلة، تؤدي الى انهيارات اقتصادية وامنية، وإعادة خلط لكل الأوراق، وربما تنهار بعض الدول، تحت وطأة هذه الحرب.
الحل الثاني قد يضعنا امام صفقة بين الاميركيين والإيرانيين، وهي صفقة بالتأكيد لن تقف عند حدود الاتفاق النووي، بل ستعالج خريطة النفوذ في المنطقة، بما يؤدي الى تقاسم المنطقة العربية، بين الإيرانيين ومن معهم، بما في ذلك حسبة الروس، والأميركيين والإسرائيليين، ومن معهم، فيما المعسكر الثالث أي تركيا ومن معها، سيحاول الخروج بأقل الخسائر، او بأية أرباح من هذه التقسيمات لمناطق النفوذ.
اذا اردنا الحديث عن الحل الثاني، أي سيناريو الصفقة، فمن السطحية هنا، القول ان هذه الصفقة ستكون بخصوص الصواريخ البالستية او التخصيب النووي، وحسب، اذ على الأغلب ستكون شاملة لكل شيء، وسنكون امام خريطة جديدة في المنطقة، بشأن الجغرافيا والسياسة والثروات والشعوب، ومن المستحيل هنا، ان يتم التوصل الى هكذا صفقة بين الإيرانيين والأميركيين، دون مفاوضات سرية، قد تجري الآن، او لاحقا، وهذا مجرد افتراض، ولدينا وسطاء يرغبون بالوصول الى صفقة من هذا النوع، ومن بينهم عواصم عربية، وغربية، لا تريد التورط في حرب كبرى.
الذين يرفضون الصفقة، عليهم ان يفتحوا عيونهم جيدا، لان كلفة الحرب وخطرها على المنطقة والعالم، والنفط والتجارة، وامن إسرائيل، وغير ذلك، قد تجعل سيناريو الصفقة اقل كلفة، وهناك عواصم عربية تريد التخلص من خطر ايران ، كليا، فيما هكذا صفقة تهدد كل برامجها وتوجهاتها، لكن لا احد يضمن في الأساس، قدرة احد، على منع هكذا صفقة، او منع أي مفاوضات سرية قد تجري بعيدا عن عيون كل الفرقاء، في العالم العربي، وهذه المنطقة، خصوصا، ان الإيرانيين والأميركيين، يدركون ان الحرب مكلفة لكليهما، وان التفاهم قد يكون افضل للجميع.
من جهة ثانية، فإن احتمال ايران الطويل لمزيد من العقوبات، أمر غير وارد، هذا على الرغم من وجود حيل إيرانية للالتفاف على العقوبات، عبر العراق، او عبر وسائل ثانية، وهي أيضا، ترسل مزيدا من رسائل التهديد المخففة، من أجل وضع الاميركيين أمام التفاوض السري، وليس من اجل استدراجهم لحرب، على الأقل في هذا التوقيت، الذي تبدو فيه الحرب، مؤجلة، قليلا، لاعتبارات سياسية، ولوجستية.
علينا ان نسأل العرب هنا، اذا ما كانوا يثقون حقا بواشنطن، وانها لن تعقد صفقة سرية مع الإيرانيين، في الظلام، على حسابهم، وحسابنا، اذ اثبتت تجارب كثيرة، ان واشنطن لا تمانع، والمؤسف هنا، ان سيناريو المفاوضات السرية الذي قد يؤدي الى صفقة كبرى تتعلق بتقاسم النفوذ، ستتنزل فاتورته على العرب، وحدهم، مثلما ان سيناريو الحرب سيدفع ثمنه العرب، تحديدا، على حساب امنهم وشعوبهم.
كل رسائل التهديد المخففة المتبادلة بين واشنطن وطهران، لن تقود الى حرب خلال الشهر الحالي، بل قد تقود الى مفاوضات سرية بوساطة من عواصم عربية وأوروبية، واذا فشلت هذه المفاوضات، فسوف نشهد تصعيدا اكبر يقود الى الحرب، التي تحتاج أساسا الى عدة اشهر، حتى تجهز بنية المنطقة عسكريا استعدادا لها، وحتى ذلك الحين لا أحد يضمن غدر الأميركيين، وبيعهم للعرب، ولا احد يضمن سقوف براغماتية الإيرانيين، وبيعهم للعرب أيضا.