مفتاح الحياة..

الحياة لا تسير بخطوط متوازية مع رغباتنا وأمانينا. ثمة دائما ما يتعارض مع ما نريده ونطلبه. أحيانا يكون هذا التعارض بمثابة الصدام، وأحيانا أخرى يكون كما لو أنه ضد كينونتنا ووجودنا.اضافة اعلان
لكن المفتاح الرئيس كي نتعايش مع كل ما يتعارض مع أفكارنا هو التفهم والتسامح.
النظر بعين التسامح يترك أثره الطيب الكبير والصادق على القلوب والأرواح. ترك الضغينة والكراهية والحقد تنهش في دواخلنا سوف يستنزف مقدرتنا على العطاء والإنتاجية، وبالتالي سوف يقوّض فرصنا بالنجاح والاستمرارية.
نعيش اليوم في عالم نفتقد فيه ثقافة التسامح. ثقافة مفتقدة في كل مفاصل حياتنا؛ العلاقات، الآراء، الأحاديث، الكتابات والأخلاق. لا نلجأ أبدا إلى وضع أنفسنا في مكان من يتقابلون معنا، ولا ندرك منطلقاتهم في مواقفهم وآرائهم، لذلك من السهل أن نحكم عليهم من دون أن يرفّ لنا جفنٌ.
تقبّلُ التنوّعِ والآخرِ بثقافته واختلافه، هُوَ حجرُ الزاوية لاستقرار المجتمعات. من الصعب أن نجدَ مجتمعا يتماهى فيه الجميع بكل شيء، إلا إن كنا نتحدث عن مجتمع المقابر. المجتمعات الحيّة تختلف في كل شيء، ولكنها تتوافق على العيش المشترك القائم على التقبّل والتفهّم.
أمّا التسامحُ، فهو يعني أننا نريد أن نحيا حياتَنا من دون أن يكون هناك ما يوجع قلوبَنا من أحقادٍ أو ترسباتٍ تُجاهَ فردٍ أو جماعة أو جهةٍ. وهو بهذا المعنى يمنحنا فرصا أكبر كي نعبّر عن إنسانيتنا، وأن نسترد مهمتنا الأساسية وهي إعمار الكون بالخير.
في غيابِ التسامحِ، ترتسمُ على ملامحنا شيخوخةٌ مبكّرةٌ، وكأنّ السنينَ تجتاحُنَا بحياةٍ تخلو من الرحمةِ والحبِّ ويحلُّ مكانها الجفاءُ والقسوة والظلمُ والقهرُ.
في زمانٍ ليسَ ببعيدٍ، كانتْ قيمُنا تحكمُ مجملَ علاقاتِنا؛ الخيرُ يعمّ أكثرَ، والشرُّ ليس بكثيرٍ، ليس كزماننا هذا الذي نتفاخرُ فيه بأننا أناسٌ غيرُ متسامحين، ندفنُ ما تبّقى من خير في دواخلنا، ونطلق العنان لشرور مستوطنة فينا دون أدنى تعاطف، بل نتفاخر من يكون أكثرنا قسوة وأقلنا تسامحًا!
الأحداثُ الكارثيةُ التي عصفتْ بمنطقتِنَا خلال العقد الأخير تركتْ رواسبَ عديدةً في نفوس المجتمعات، وهشّمت أرواحًا عديدةً باتتْ لا تميز بين الخيرِ والشرِ، خصوصا أن كثيرا من الشرّ وقع علينا من بني جلدتنا. حين تجتاح الإنسانَ عواصفٌ كهذه، نظن بأن البوصلة تخسر إشارتها الصحيحة، ولكن ينبغي أن يكون هذا الأمر آنيا، ويتوجب على الإنسان أن يصحح إشارة بوصلته سريعا، وإلا ساد الشر وانعدم الخير، وباتت نوازعنا المريضة هي ما يحركنا.
المنطقة بأكملها غارقة في مناخ من العنف والسلبية والأوضاع الاقتصادية الصعبة وغياب برامج الأمن المجتمعي. كل هذا ترك أثرا سلبياً وساهم في انتشار ثقافة العنف والكراهية وعدم التقبل. الظروف تطال كل فرد، وتدفعنا اليوم للتفكير في مخرج من هذا الواقع الذي كان بيئة خصبة لتجذر السلوكيات السلبية والعنيفة في المجتمع. كل فرد منا بحاجة لوقفة مع الذات، للتفكير في مآلات الأمور وهل فعلاً هذا ما نريده لحياتنا؟!
قيم الحياة وأهداف وجودنا أكبرُ من أن نسقطَ في صغائرِ الأمورِ ومشاكلها. ما نريده اليومَ هو شيءٌ مختلفٌ تماماً، خاصية لا بد أن نمتلكها ونغذيها ونعلمها لأبنائنا حتى يبقى الأملُ موجوداً في مجتمع أكثرُ سلاماً وتناغماً، وقادر على التنمية والبناء: التقبل والتفهم والتسامح.