مفتش المحاكم الشرعية يرد على تحقيق "الأحوال الشخصية"

سعادة رئيس تحرير "الغد" الغراء
طالعتنا صحيفتكم، في عددها الصادر الأحد 18/5/2014 بتحقيق صحفي، من إعداد عبدالرحمن أبو سنينه، تحت عنوان: "الأحوال الشخصية" يشجّع عائلات على إقصاء بناتها خارج التركة"، وتضمن التحقيق إيراد تصريحات على لساني ومنسوبة لي، كما تضمن الإشارة إلى عدد من الإجراءات الخاصة بمعاملات التخارج أمام المحاكم الشرعية.اضافة اعلان
ولم يكن التحقيق الصحفي موفقا في العديد من المواطن، إذ ابتعد عن الدقة في نسبة الكلام، كما قام باجتزاء لبعض العبارات أدى إلى خلل في المعنى والمعلومة، وتصويبا لبعض ما ورد وإيضاحا لبعض ما استُشكل وليكون القارئ على بيّنةٍ من الأمر، وعملا بحق الردّ أرجو نشرَ الردّ التالي حسب الأصول ووفقا لأحكام قانون المطبوعات والنشر:
أولا: لم يردْ على لساني أن خُمس الإناث الأردنيات يفقدن حقّهن بتركة آبائهن قسرا، بالتحايل أو بالتخجيل، وأن أنثى من كل خَمس تتنازل عن ميراثها في الأردن، في تحليل مني مستند إلى بيانات دائرة قاضي القضاة، بين 2008 و2012، كما ذكر التحقيق.
فهذه المعلومة غير صحيحة، والصواب هو أنني ذكرت أنه من خلال تحليل للبيانات الصادرة عن الدائرة فإن نسبة 80 % تقريبا من التركات في المملكة لا يسجل عليها أي نوع من التخارجات في المحاكم الشرعية، والنسبة الباقية، وهي 20 % يسجل عليها تخارجات بجميع صور التخارج وليس التنازل.
فالتخارج عن التركة ليس تنازلا عن الحق الإرثي، بل هو صلح بين الورثة في الحصص الإرثية، يأخذ أشكالا عديدة أشهرها وأكثرها وقوعا قسمة عقارات التركة بين الورثة ذكورهم وإناثهم، من خلال معاملة التخارجات الخاصة، بحيث يخصص لكل وريث أو عدد من الورثة عقار معيّن في التركة، ويلجأ الورثة لذلك لسهولة القسمة بهذه الطريقة، وانخفاض الكلف المالية، بدلا من بقاء جميع عقارات التركة شائعة بين جميع الورثة، وعدم استفادة الورثة منها وتعطّلها.
ومن الصور الأخرى للتخارج بيع بعض الورثة، ذكورا وإناثا، حصتهم كلها أو بعضها لباقي الورثة، مقابل بدل مالي، يتفق عليه الورثة فيما بينهم، ويسجل هذا البيع في معاملة تخارج لدى المحكمة الشرعية.
ومن صور التخارج بيع بعض الورثة ذكورا وإناثا الحصة الإرثية بعضها أو كلها لباقي الورثة، مقابل بدل مالي رمزي يتفق عليه بينهم. مع الإدراك أن بعض الورثة قد يتخذون قرار التخارج بدوافع مختلفة ناتجة عن الحياء أو الخوف أو العُرف والعادة وغير ذلك من الأسباب.
وكل هذه الصور تدخل في نسبة الـ20 % المذكورة، وعليه فمن الخطأ الدارج لدى الكثيرين إطلاق مصطلح التنازل عن التركة على عقد التخارج الذي تسجله المحاكم الشرعية.
ثانيا: ذكر التحقيق أنه كشف عن ضعف في الدور الرقابي والتوعوي للمحاكم الشرعية، وتحايل أهالٍ على قانون الأحوال الشخصية بإجبار المرأة على التنازل عن حقها في الميراث دون مقابل.
وفي هذا الصدد لا بد من التأكيد على أن الكاتب المحترم لعلّه لم يطلع على الوظيفة الدستورية والقانونية للمحاكم، ولم يبين موطن الضعف الرقابي والتوعوي ودور المحاكم فيه، فالتخارج هو عقد بين طرفين من الورثة، وشرطه أن يكون الوارث عاقلا راشدا مختارا، وهو ما تتحقق منه المحكمة عند حضور الأطراف لديها، بعد استكمال الشروط الأخرى، والأصل أن كل إنسان عاقل راشد له حرية التصرف في ملكه، دون منازع ودون فرض أي وصاية عليه من أي جهة، والمحكمة تتعامل مع ظاهر الأمور، وليست مسؤولة مسؤولية مباشرة عن خلفيات اتخاذ قرار التخارج بصوره المتعددة أو ما خفي في الصدور دون دلائل ظاهرة عليه، شأنها في ذلك شأن كاتب العدل عند تصديق العقود والوكالات أو أي موظف رسمي من وظيفته استماع الإقرارات وتسجيلها وليس من حق أي جهة رسمية الامتناع عن تقديم الخدمة للمواطن، ما دامت معاملته مستكملة لشروطها القانونية، وما يفعله القضاة من إجراءات وهي أقرب إلى التحقيق أحيانا مع الورثة هي إجراءات تأكيدية للتحقق من القناعة بصحة الرضا والاختيار، مع أن المتطلب القانوني هو أن مجرد التصريح بالرضا والقبول ممن يملكه كاف لإجراء العقد وتسجيله.
وأما الدور التوعوي فهو مسؤولية الجميع، وتقوم دائرة قاضي القضاة بجزء هام منه، من خلال المشاركة في وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، حيث أعدت عدة حلقات وبرامج للتأكيد على حق المرأة في الميراث وتوضيح كل ما يتعلق بالإرث والتخارج وهي مسألة مستمرة ومتراكمة عبر الوسائل المتنوعة.
ثالثا: وأما ما أشار إليه التحقيق من أن "القاضي الذي يشرف على معاملات التخارج يمكنه إنفاذ المعاملة حتى لو لم يكن البدل يساوي القيمة الواقعية للعقار"، فهذا صحيح، لأن القاضي ليس من وظيفته التدخل، فيما يتفق عليه الورثة في عقد التخارج، إلا إذا تعارض مع القانون أو النظام العام، مع أن ذلك لا يمنعه من إبداء بعض الملاحظات الارشادية للورثة في طبيعة العقد وأثره، وأما بدل التخارج فهو كثمن العقار في عقود بيع العقار لدى دوائر الأراضي، إذ يتضمن العقد البدل المصرّح به كما يتضمن القيمة التقديرية للعقار، ويلجأ لذلك هناك لحفظ حقوق الخزينة في الرسوم على بيع العقار لاستيفاء نسبة مئوية على المبلغ المقدر، بينما في عقد التخارج فهناك حد أعلى لرسوم الخزينة، مهما بلغت قيمة بدل التخارج، وهي تستوفى غالبا من المتخارجين.
رابعا: أشار التحقيق إلى قانون الأحوال الشخصية، وتعرض إلى عدم كفاية التدابير الواردة فيه، إلى حماية حق المرأة الإرثي، وتوضيحا لذلك، فالعكس هو الصحيح، لأن مما تميز به قانون الأحوال الشخصية الجديد هو إيراده العديد من الضمانات في موضوع التخارج، والتي أغفل الكاتب ذكرها، ولم يتعرض لها، ولم يكن منصوصا عليها في التشريعات السابقة، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1 -نص القانون على جميع أحكام المواريث وبين السهام لكل وارث، ليعلم كل إنسان حقه في التركة، في حين لم يكن منصوصا على ذلك في القوانين السابقة.
2 -نص القانون على عدم شمول التخارج لأية أموال لم يكن المتخارج على علم بها عند تسجيل عقد التخارج، وهذا ضمان لحق الورثة في الأموال التي تظهر لمورثهم لاحقا، ومنعا لأي تحايل أو تغرير من قبل بعض الورثة، بإخفاء متعلقات التركة وأموالها للإضرار بالورثة.
3 -نص القانون على عدم سريان التخارج على الأموال غير المنقولة الموروثة من الغير، إلا إذا تم إجراء معاملة الانتقال عليها باسم المورث، قبل تسجيل حجة التخارج، ما لم ينص في الحجة على خلاف ذلك صراحة، وذلك لمعرفة الورثة بالأموال التي يجري التخارج عليها، وعدم الوقوع في الغرر والخديعة أو سوء الفهم.
4 -نص القانون على أن التخارج يقبل الإقالة بالتراضي، بمعنى اتفاق المتخارجين على إلغاء عقد التخارج، إذا تراضوا على ذلك لأي سبب يظهر لهم، وقد سجلت المحاكم الشرعية العديد من حجج الإقالة.
5 -عدم سريان التخارج على الأموال النقدية في التركة، اذا كانت التركة أعيانا وأموالا نقدية، إلا إذا كان بدل التخارج أكثر مما يخص المتخارج من الأموال النقدية من التركة.
6 -نص القانون على إعطاء صلاحيات لسماحة قاضي القضاة لإصدار تعليمات لتنظيم وتسجيل حجج التخارج، على أن تتضمن المدة الواجب انقضاؤها بين وفاة المورث واجراء التخارج الخاص أو العام عن تركته، وقد صدرت هذه التعليمات ونشرت في الجريدة الرسمية، وهي تتضمن ضمانات عديدة للورثة لحفظ الحقوق:
فقد تضمنت منع تسجيل أي تخارج عام أو خاص إلا بعد مرور ثلاثة أشهر على وفاة المورث، واشتملت على أنه يتوجب على المحكمة القيام بإفهام طرفي عقد التخارج، للأثر المترتب عليه قبل تسجيل التخارج، وضرورة إفهام طرفي عقد التخارج مضمون المادة 318 من قانون الأحوال الشخصية، والمتضمنة عدم سريان التخارج على الأموال غير المنقولة الموروثة من الغير، إلا إذا تم إجراء معاملة الانتقال عليها باسم المورث، قبل تسجيل حجة التخارج، ما لم ينص في الحجة على خلاف ذلك صراحة.
ووجوب إبراز كشف من دوائر التسجيل المختصة بالأموال غير المنقولة في التخارج العام، إضافة إلى إبراز سند تسجيل صادر خلال مدة لا تتجاوز أسبوعا من تاريخ تقديم المعاملة في التخارج الخاص عند طلب تسجيل معاملة التخارج.
ومنعت التعليمات المحكمة من تسجيل الوكالات الخاصة بالتخارج، الخاص أو العام، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الوفاة.
فبعد كل ذلك، كيف يقالُ أنّ "الأحوال الشخصية" يشجّع عائلات على إقصاء بناتها خارج التركة، وهو إنما صيغت أحكامه لحفظ الحقوق وصيانتها. لذا اقتضى الأمرُ التوضيحَ والبيانَ.

مفتش المحاكم الشرعية
الدكتور أشرف يحيى العمري