"مفردات الدواوين" وعبارات الغزل تجتاح القرطاسية المدرسية

مجموعة من الدفاتر التي تحمل مفردات غزلية وعامية-(أرشيفية)
مجموعة من الدفاتر التي تحمل مفردات غزلية وعامية-(أرشيفية)

منى أبو صبح

عمان- "يزم إرحمني" إحدى "مفردات الدواوين" الرائجة بين الشباب هذه الأيام، والتي خطت على غلاف دفتر الطالبة رانيا سعيد في الصف الأول ثانوي، مما أثار دهشة وتساؤل والدتها حول ذلك، وماذا تعني! اضافة اعلان
تقول والدة رانيا: "لفت انتباه ابنتي اللون الفسفوري للدفتر عند شرائه، ولم تلتفت لما كتب عليه في الخلف، لكنني أتعجب كيف يمكن أن تصمم هذه الدفاتر والقرطاسية ويكتب عليها عبارات لا تتناسب مع توجيه وتحفيز الطلبة للعلم".
"العلم نور".. "من جد وجد، ومن زرع حصد".. "بقدر الكد تكتسب المعالي ومن طلب العلا سهر الليالي" أبيات شعرية، وعبارات تتباهى بلغتنا العربية الجميلة "لغة الضاد" وهي المفردات التي كانت تزين دفاتر وقرطاسية طلبة الجيل القديم!، يحافظون عليها وتذكرهم عند استخدامها برسالة العلم السامية.
أما والدة رانيا والعديد من أولياء أمور الطلبة فالتفتوا مؤخرا لعبارات الغزل، و"مفردات الدواوين" مثل: "أقوى نوع، اغليها، يرحم جدك، كومستير، وغيرها"، إلى جانب "الشات" أيضا، والتي تزين الدفاتر والقرطاسية المدرسية لدفاتر أبنائهم الطلبة، وكأنها أصبحت بديلا عن كلمات وأبيات الشعر التي تحفز على العلم والمعرفة!
"مفردات الدواوين" هي كلمات وعبارات يستخدمها الشباب (ذكورا وإناثا)، فيقال عن الشاب "ديونجي"، والفتاة "ديونجية"، وهذا يعني أن كليهما "حدق" و"فهلوي".
تكرر مشهد الدهشة مع الثلاثينية أم يزن لدى عودتها إلى المنزل، بعد أن قامت بشراء مجموعة من الدفاتر والقرطاسية لأبنائها استعدادا لبدء الفصل الدراسي الثاني، فلم يكن منها سوى إخبار صاحب المكتبة بأن يزودها بعدد الدفاتر، وعدد الأوراق، وأن تتناسب مع أبنائها الذكور والإناث.
تقول أم يزن: "بدأت تجهيز الدفاتر، بتخصيص كل منها لإحدى المواد الدراسية، ولاحظت أن الدفاتر عليها وجوه ضاحكة، وعبارات بلغة (الشات) التي لا أجيدها.. وعند الإستفسار من الآخرين، اتضحت الكلمات منها: "حبيبي، عشقي..، الحب الأبدي.. وغيرها!".
وينتقد الخمسيني أبو مصعب هذه العبارات بكافة أشكالها، ويصفها بأنها "وسائل تغير من فكر الجيل الجديد" كغيرها من الوسائل الحديثة التي لا تفارق أيدي أبنائنا الطلبة، ولا سيما الهواتف النقالة، وفق قوله.
ويقول: "ابني الصغير في الصف السابع الأساسي، واختلف معه دائما، في طريقة لباسه، وتسريحة شعره، واهتمامه بالأغاني الشعبية وترديده لها، كما أنه يستخدم (مفردات الدواوين) كما يسمونها، في تعامله مع أصدقائه وأحيانا في البيت، رغم تحذيراتي وتوبيخاتي المتكررة جراءها".
يضيف، "وكأن هذه اللهجة اقتحمت حياتنا، فكيف لا نراها على الدفاتر المدرسية!، في ظل من يشجعها، ومنهم أصحاب المطابع الذين يقومون بدسها، كونهم يرون فيها وسيلة جاذبة ومحببة لنفوس الطلبة". 
الناطق الإعلامي في جمعية حماية المستهلك سهم العبادي يقول: "لا شك أن هذه العبارات واللغات مرفوضة جملة وتفصيلا، تتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا، وقد تكون مسيئة للأخلاق والإنسانية، وتعطي انطباعا يدل على التغيرات المجتمعية غير المقبولة في مجتمعنا".
ويؤكد العبادي، أن الجمعية أصدرت بيانا قبل أربعة أشهر مضت حول هذا الموضوع، وقامت بمخاطبة وزارة الصناعة والتجارة لإتخاذ الإجراءات اللازمة، وعقب إصدار البيان قام العديد من أصحاب المكاتب بالتواصل مع الجمعية، وإرجاع القرطاسية ذات العبارات غير الأخلاقية لأصحابها.
ويرى العبادي أن هذا الأمر ليس سهلا، يساهم في تغيير تفكير الشباب والأطفال، وتقع المسؤولية على كافة الجهات المعنية في إيقافه والحد منه، بدءا من دور وزارة الصناعة والتجارة في الرقابة، وكذلك أصحاب المكتبات قبل اختيار وشراء القرطاسية من التجار، إلى جانب دور الأهل في المتابعة وعدم الإقبال على شرائها.
"الغد" تجولت في العديد من المكتبات ومراكز التسوق، ورصدت العديد من الدفاتر والقرطاسية المزينة بمثل هذه العبارات.
أبو عمر مالك إحدى المكتبات يقول، "حقيقة الأمر، لم أتنبه لمضمون هذه العبارات على الدفاتر والقرطاسية، فهي ذات تصاميم وألوان جاذبة للزبون، كما أن الإقبال على شرائها كبير جدا من قبل الطلبة الذكور والإناث".
ويؤكد أبو عمر بأنه سيلتفت للأمر في المرات القادمة عند شرائه القرطاسية من التجار، حتى لا يزداد انتشارها أكثر فأكثر، وتصبح مألوفة ومقبولة لدى الجميع.
أما الطالب في الصف العاشر مؤيد أبو عميرة فيقول:"أنا وجميع أصدقائي قمنا بشراء دفاتر كتب عليها كلمات شبابية (مفردات الدواوين) التي نستخدمها دائما فيما بيننا نحن الشباب، وتروق لنا جدا، كما أن لكل منا (لقبا) من كلماتها، أما الشاب الذي لا يتقنها فلا ينضم لمجموعتنا!، ويصنف بأنه شاب (كيوت)".
وحول ذلك، الاستشاري الأسري التربوي د. أحمد سريوي يقول: "ثقافة المجتمع تؤثر بشكل مباشر في تكوين الشخصية لدى الفرد، فهناك صفات موروثة، وهناك صفات أكثر مكتسبة من البيئة المحيطة، ومن ضمنها اللغة، والتي هي عبارة عن كلمات ومصطلحات ومفردات يأخذها الفرد من البيئة التي تحيط به كي يستطيع التواصل معهم، وحتى لا يشعر انه غريب عنهم.
ويضيف المفهوم يتشابه في حالة "الموضة" أو "التقليعة" حينما تدخل على المجتمع، وتتحول إلى ظاهرة يتسابق الجميع كي يلحق بها، ومن لا يستطيع ذلك يعتبر متخلف عن الركب، وهذه الموضات تختلف أيضا من مجتمع لآخر، فمجتمع المدينة يختلف عن البدو وعن الريف.. وغيرها.
ومن ضمن هذه الموضات "لغة الدواوين" والتي يتسابق الأطفال في تعلمها، واستخدام كلماتها ظنا منهم أنها كلمات بطولية وتشرفهم، وفق سريوي.
ويشير إلى نقص الوعي وغياب رقابة الأهل ودورهم التوعوي من أهم أسباب انتشار هذه الظواهر، كذلك تلعب المدرسة دورا مهما جدا في الحد من هذه الظاهرة التي تشوه تفكير الأطفال والمراهقين.
ويرجح اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة انتشار القرطاسية في المكتبات والأسواق، يعود إلى أن التجار وأصحاب المطابع يبرزون منتجاتهم بشكل مفضل ومحبب لدى الزبون، وبما أن الجيل الحالي يرغب بهذه العبارات وهذه الصور فهم يقومون بتصميمها.
يقول: "القضية هذه تعود إلى الترويج التجاري أكثر من الجانب الاجتماعي، وأيضا طريقة التربية والتنشئة، فالجيل يربى وينشأ وفق الميول لمثل هذا الكلمات وهذه العبارات، وبالتالي تكون جاذبة له".
يضيف، أنا مع أي أمر يبهج النفس البشرية، بشرط أن لا يتنافى مع العلم والمعرفة والثقافة، وعليه هذه الظاهرة إشكالية مجتمع، وليست إشكالية طلبة، فلا بد أن نبدأ بإعادة عملية التنشئة والتربية بأساليب تشجع على الثقافة والمعرفة من خلال التربية الأسرية في السنوات الأولى، والقدوة النموذج "الأب والأم"، وإدارة حوارات ثقافية والتشجيع على قراءة الكتب الثقافية.