مقاصد القرآن(1)

أسامة شحادة

القرآن الكريم هو كتاب الله عز وجل الذي أنزله على رسوله خاتم الانبياء محمد صلى الله عليه وسلم ليصلح به أحوال البشر في عصره والعصور التي تليه حتى قيام الساعة، وقد جاء القرآن"مشتملا على جميع ما يُحتاج إليه من الإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي والمالي والحربي"، لبيان هذه المقاصد العظيمة ألّف العلامة السيد محمد رشيد رضا - منشئ مجلة المنار وصاحب التصنيفات القيمة- كتابه "الوحي المحمدي" لإثبات نبوة سيد الرسل والأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام ولبيان المقاصد الجليلة التي حواها القرآن العظيم.

اضافة اعلان

وسنعرض هذه المقاصد العشرة باختصار في حلقات متتابعة..    

المقصد الأول:

بيان أركان الدين الثلاثة التي دعا إليها الرسل وضل فيها اتباعهم.

وهذه الأركان الثلاثة جاءت في قوله تعالى:"إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".

فالإيمان بالله هو الركن الأول للدين وهو التوحيد الذي يقتضي إفراد الله عز وجل بالعبودية والربوبية والأسماء والصفات العُلا وقد جاءت به كل الرسل كما قرره القرآن" شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه".

وقد ركز القرآن على دحض كل الشبهات حول مشاركة أحد مع الله في استحقاق العبادة، لأن كل ما سوى الله مخلوقات لله فكيف تشاركه في حق الطاعة والعبادة؟

ولذلك تكرر في القرآن كثيراً التأكيد على انفراد الله بالخلق والرزق والتقدير المستحق لإنفراده بالألوهية والعبادة.

وقد بين القرآن الكريم أسماء الله وصفاته الحسنى التي تحبب العبد بربه،

"وهذه الأسماء الإلهية هي ينابيع الحياة الروحية في القلوب ومشرق أنوار المعارف الإلهية على العقول".

وبسبب الجهل بلغة القرآن وقلة تدبره اعتمد المسلمون في فهم عقيدتهم على الكتب الكلامية والفلسفية،فضعف التوحيد وتعظيم الله وحبه في قلوبهم،فشاب توحيد كثير من المسلمين شوائب الشرك الأصغر والأكبر بطلب الحاجات والنفع والضر من غير الله والالتجاء لبعض المخلوقين أحياء وأمواتا بدل اللجوء للحي الذي لا يموت.

إن العودة لتدبر القرآن وتفهم مقاصده ومعانيه تنمي الروح وتغذي الإيمان في القلوب، لقد امتازت العقيدة الإسلامية بسهولتها وبساطتها ونفي الوسائط بين العبد وربه، هو ما جعل كثيرا من الناس يدخلون في الإسلام فما بال بعض الأدعياء يجعلون حواجز بين المسلمين وربهم ووسطاء ما أنزل الله بهم من سلطان؟

حين لامست عقيدة التوحيد قلوب الصحابة الكرام فجرت فيهم عزيمة لا تلين وقوة لا تقهر في سبيل الحق والحرية الحقيقية، فلنحرص على تذوق عقيدة التوحيد صافية نقية بتدبر القرآن العظيم.

عقيدة البعث والجزاء هي ركن الدين الثاني، وما يحتويه من الإيمان بالحساب والجزاء يكون باعثاً على العمل الصالح وترك الفواحش والمنكرات والبغي، فالقرآن قد نبذ التصوارت السقيمة للبعث والجزاء من بين منكر لها أو مقتصر في النجاة على عرق أو شعب أو جعل ذلك رهنا بالمخلص والفادي،فرفض هذا كله وقرر الحق الذي جاء به جميع الأنبياء وهو النجاة لا تكون إلا بالإيمان بالله والعمل الصالح مهما كان عرقه أو جنسه،"أعنده علم الغيب فهو يرى أم لم ينبأ بما في صحف موسى، وإبراهيم الذي وفى، ألا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى".

وغياب الإيمان بالبعث واليوم الآخر أو ضعفه سبب ارتكاب الفواحش والمعاصي ووقوع البغي والظلم بين الأفراد والأمم.

أما الركن الثالث للدين فهو العمل الصالح، وهو أثر لازم للإيمان بالله واليوم الآخر وثمرة له، وكل من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح يغذي الآخر ويقويه، فمن عرف الله تعالى بأسمائه وصفاته الحسنى عرف استحقاقه سبحانه للحمد والشكر والعبادة والحب والتعظيم فتجده يقوم بالأعمال الصالحة من إحسان في العبادة لله وإحسان إلى عباده في المعاملة وهذا غاية الإسلام والإيمان.

وقد تكرر في القرآن الكريم الحديث عن هذه الأركان الثلاثة لأهميتها وتكاملها، ولدورها في بناء شخصية المسلم فاحرص يا رعاك الله على تجديد إيمانك وتقوية يقينك وتكثير طاعاتك بتأمل هذه الأركان في كتاب الله.

كاتب أردني