مقاضاة طبيبة وربة منزل بشبهة إجهاض عاملة منزل بصورة غير شرعية

عاملة تمارس عملها في أحد منازل عمان - (أرشيفية)
عاملة تمارس عملها في أحد منازل عمان - (أرشيفية)

رانيا الصرايرة

عمان - تمثل حاليا سيدتان، إحداهما طبيبة نسائية والأخرى ربة منزل، أمام محكمة جنايات إربد، بتهمة "إجهاض عاملة منزل حملت بطريقة شرعية قبل قدومها للبلاد"، حيث قرر مدعي عام إربد توقيفهما على ذمة التحقيق، رافضا تكفيلهما.اضافة اعلان
ولم تقتصر التهمة الموجهة لربة المنزل، التي ادعت عليها العاملة، على "الإسهام في إجهاض حامل"، بل تواجه ايضا تهمة "عدم دفع أجور العاملة لشهور طويلة، فضلا عن تشغيلها في ثلاثة بيوت"، حيث أكد خبراء أن هذا النوع من الاستغلال يدخل تحت بند "الاتجار بالبشر".
وينص قانون العقوبات الأردني في أحد مواده على أن "كل امرأة أجهضت نفسها، بما استعملته من الوسائل، أو رضيت بأن يستعمل لها غيرها هذه الوسائل، تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات"، وبالنسبة للغير "من أقدم بأية وسيلة كانت على إجهاض امرأة، برضاها، عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات".
كما نص قانون الصحة العامة لسنة 2008 على، "يحظر على أي طبيب وصف أي شيء بقصد إجهاض امرأة حامل، أو إجراء عملية إجهاض لها، إلا إذا كانت عملية الإجهاض ضرورية لحمايتها من خطر يهدد صحتها أو يعرضها للموت".
العاملة المذكورة، وبعد تعرضها لعدة "انتهاكات" إضافة إلى "إجهاضها"، ومن أهمها "عدم دفع أجورها لفترة تزيد على عشرة أشهر، وعدم إطعامها، فضلا عن تعنيفها"، آثرت أن تترك مكان عملها وتتقدم بشكوى إلى مركز تمكين للمساعدة القانونية للعمالة المهاجرة، الذي حول بدوره القضية إلى وحدة مكافحة الاتجار بالبشر.
من جهتها، قامت الوحدة، وبعد استماعها لأقوال العاملة، بتحويل القضية إلى المدعي العام بعد أن وجدت فيها "شبهة اتجار بالبشر".
وبعد تحقيق المدعي العام في القضية، واستدعائه لصاحبة المنزل والطبيبة، قرر حبسهما ورفض تكفيلهما لثلاث مرات متوالية، ومن ثم حولت القضية إلى محكمة جنايات إربد، التي تنظر في القضية حاليا.
وحول هذه القضية، ترى مديرة مركز "تمكين" لندا كلش، أن صاحبة العمل تعاملت مع العاملة وكأنها "شيء ليس له إرادة، فاتخذت القرار بإجهاضها بدون رغبة العاملة"، مبينة أن من حق صاحبة العمل أن تعيد العاملة إلى بلدها، ومن واجب مكتب الاستقدام في هذه الحالة استبدالها بأخرى للعمل لدى السيدة نفسها.
وتؤكد تعليمات استقدام العاملين في المنازل على "حق صاحب المنزل بإرجاع عاملة المنزل الى المكتب وإجباره على احضار أخرى في حال تبين أن العاملة حامل أو تعاني من مرض معد أو سار، على أن يتم إرجاعها قبل مرور ثلاثة أشهر على استقدامها".
وأشارت كلش إلى أن "صاحبة العمل اختارت الطريق الأسهل حتى لا تنتظر استقدام عاملة أخرى، دون أن تعير انتباها للانتهاك الذي تقوم به، وكذلك استغلت العاملة في العمل بدون أجر وحجزت جواز سفرها ولم توفها أجورها، كما قامت "بتسليفها" لابن أختها، أي أن التعامل مع هذه العاملة بشكل عام لم يكن فيه أي نوع من الإنسانية".
وأثنت كلش على أداء وحدة مكافحة الاتجار بالبشر، مؤكدة أنها "قامت بواجبها على أكمل وجه" من حيث الاستماع والتحقيق والتحقق واصطحاب العاملة إلى إربد وضمان حمايتها".
وأضافت: "جاء قرار المدعي العام أيضا بتوقيف كل من صاحبة العمل والطبيبة المتهمة بالإجهاض، ليؤكد أن القانون يطبق على الجميع، وملاحقة المشتبه بهم أيا كانوا، خاصة وأن المشتكية عاملة منزل من جنسية أجنبية، ونتمنى أن يكون هذا القرار رادعا لكل من تسول له نفسه انتهاك حقوق البشر واستغلال ضعفهم".
من جهته، هاجم صاحب مكتب استقدام طلب عدم ذكر اسمه، ما اقترفته السيدتان، حيث يرى أن صاحبة المنزل "كانت تستطيع تجنب توريط نفسها بارتكاب جريمة، بإرجاع عاملة المنزل الى المكتب الذي استقدمته منه، ومطالبته باستقدام غيرها دون أن تتكبد أي مصاريف إضافية"، مؤكدا أن القانون "يضمن لها ذلك".
وأوضح أن السيدة كانت "مستفيدة من العاملة كونها تجبرها على الاشتغال في ثلاثة بيوت، ولا تعطيها أجرها، لترى أن الحل الأسهل يكمن في إجهاضها"، لافتا إلى أنها ليست الحالة الوحيدة التي يلجأ فيها أصحاب منازل أو أصحاب مكاتب لإجهاض العاملة.
وتروي صاحبة منزل أخرى قصة مماثلة لـ"الغد"، مشيرة إلى أن الذي ارتكب فعل إجهاض العاملة في هذه الحادثة كان صاحب المكتب نفسه، حيث أرجعتها السيدة إلى المكتب وأخبرته أن فحوصا أجرتها للفتاة أظهرت حملها، وبذلك فمن حقها استبدالها.
بدوره، أظهر صاحب المكتب انصياعه لطلب السيدة، وقال لها إنه سيسفر العاملة الحامل التي كانت سعيدة وزوجها بحملها الذي جاء بعد ستة أعوام من الانتظار، ولم تعلم عنه إلا بعد قدومها للأردن، ووعد صاحب المكتب أن يحضر أخرى بعد شهر.
لكن عندما عادت السيدة بعد شهر إلى المكتب، فوجئت بصاحب المكتب يقنعها بأخذ العاملة ذاتها، مؤكدا أنها "كاذبة وغير حامل"، وأنها فعلت ذلك لترجع إلى بلادها، لكن السيدة أكدت له أنها هي من ذهبت مع العاملة لإجراء فحوصات أثبتت حملها، ثم اكتشف أنه قام بإجهاضها وصادر جوازها ليجبرها على البقاء والعمل بالمياومة حتى لا يخسر تكاليف استقدامها.
نظريا، تتضح من مراجعات للتشريعات أعدها، مؤخرا، مركز تمكين، أهمية تعديل التشريعات المحلية ذات العلاقة بحقوق العمال المهاجرين، بشكل يحميهم من الوقوع كضحايا اتجار بالبشر، وأن "تنازع القوانين ووجود فجوات في بعضها أدى الى صعوبة التعرف على ضحايا الاتجار بالبشر من أولئك العمال، إضافة إلى جعلهم في وضع ضعيف، بحيث يكونون أكثر عرضة للاستغلال من قبل صاحب العمل".
وأكدت المراجعات "ضرورة توفير كافة سبل الحماية والدعم لضحايا الاتجار بالبشر من العمال الأجانب، إضافة إلى ضرورة توافق القوانين المعنية وترابطها بشكل يكفل قدرا من الوقاية لمنع هذه الجريمة".
وأوصت "بتعديل قانون منع الاتجار بالبشر بما يضمن إعادة تعريف جريمة الاتجار بالبشر بشكل أكثر دقة ووضوح، وبما يراعي البيئة التشريعة في الأردن التي لا تتناسب مع تعريف بروتوكول الأمم المتحدة لمنع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، والذي نقل منه القانون الأردني التعريف، وبما يحد من  صعوبات تطبيق هذا القانون بسبب التعريف، إضافة إلى تضمين التعريف بعض الممارسات التي أغلفت من قبل المشرع، وتضمين القانون نصوصا تتعلق بحماية ومساعدة وإعادة تأهيل الضحايا من جريمة الاتجار بالبشر".
كما دعت إلى ضرورة تحديد هوية ضحية الاتجار بالبشر والحفاظ على سرية هذه الهوية "إن أمكن ذلك"، مطالبة أيضا بتعديل نظام دور إيواء المجني عليهم والمتضررين من جرائم الاتجار بالبشر لسنة 2012 المطبق على دار الوفاق التي تستقبل تلك الحالات، بحيث يسمح بتحويل الضحايا إليها بدون اشتراط موافقة المدعي العام، بالإضافة إلى العمل على رفع قدرة الدار لاستيعاب عدد أكبر من الضحايا.
وطالبت بالنص بشكل صريح على "تقديم المساعدة القضائية لضحايا الاتجار بالبشر، كون أغلبهم من المعوزين الذين لا يملكون تكلفة التقاضي وأتعاب المحاماة".

[email protected]

raniaalsarayrah@