مقاطع من "الجدارية": ما زلت حيّا في مكان ما، وأعرف ما أريدُ

مقاطع من "الجدارية": ما زلت حيّا في مكان ما، وأعرف ما أريدُ
مقاطع من "الجدارية": ما زلت حيّا في مكان ما، وأعرف ما أريدُ

 

لاشيء يُوجِعُني على باب القيامةِ.

لا الزمانُ ولا العواطفُ . لا

أُحِسُّ بخفَّةِ الأشياء أَو ثِقَلِ

الهواجس. لم أَجد أَحداً لأسأل:

اضافة اعلان

أَين (( أَيْني )) الآن ؟ أَين مدينةُ

الموتى ، وأَين أَنا ؟ فلا عَدَمٌ

هنا في اللا هنا … في اللازمان ،

ولا وُجُودُ

وكأنني قد متُّ قبل الآن …

أَعرفُ هذه الرؤيا ، وأَعرفُ أَنني

أَمضي إلى ما لَسْتُ أَعرفُ . رُبَّما

ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما، وأَعرفُ

ما أُريدُ …

سأصيرُ يوماً ما أُريدُ

سأَصيرُ يوماً فكرةً . لا سَيْفَ يحملُها

إلى الأرضِ اليبابِ ، ولا كتابَ …

كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من

تَفَتُّح عُشْبَةٍ ،

لا القُوَّةُ انتصرتْ

ولا العَدْلُ الشريدُ

سأَصير يوماً ما أُريدُ

سأصير يوماً طائراً ، وأَسُلُّ من عَدَمي

وجودي . كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ

اقتربتُ من الحقيقةِ ، وانبعثتُ من

الرمادِ . أَنا حوارُ الحالمين ، عَزَفْتُ

عن جَسَدي وعن نفسي لأُكْمِلَ

رحلتي الأولى إلى المعنى ، فأَحْرَقَني

وغاب . أَنا الغيابُ . أَنا السماويُّ

الطريدُ .

سأَصير يوماً ما أُريدُ

ـــ

خضراءُ ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ عالية ٌ…

تُطِلُّ عليَّ من بطحاء هاويتي …

غريبٌ أَنتَ في معناك . يكفي أَن

تكون هناك ، وحدك ، كي تصيرَ

قبيلةً…

غَنَّيْتُ كي أَزِنَ المدى المهدُورَ

في وَجَع الحمامةِ ،

لا لأَشْرَحَ ما يقولُ اللهُ للإنسان ،

لَسْتُ أَنا النبيَّ لأَدَّعي وَحْياً

وأُعْلِنَ أَنَّ هاويتي صُعُودُ

وأَنا الغريب بكُلِّ ما أُوتيتُ من

لُغَتي . ولو أخضعتُ عاطفتي بحرف

الضاد ، تخضعني بحرف الياء عاطفتي ،

وللكلمات وَهيَ بعيدةٌ أَرضٌ تُجاوِرُ

كوكباً أَعلى . وللكلمات وَهيَ قريبةٌ

منفى . ولا يكفي الكتابُ لكي أَقول :

وجدتُ نفسي حاضراً مِلْءَ الغياب .

وكُلَّما فَتَّشْتُ عن نفسي وجدتُ

الآخرين . وكُلَّما فتَّشْتُ عَنْهُمْ لم

أَجد فيهم سوى نَفسي الغريبةِ ،

هل أَنا الفَرْدُ الحُشُودُ ؟

وأَنا الغريبُ . تَعِبْتُ من ” درب الحليب ”

إلى الحبيب . تعبتُ من صِفَتي .

يَضيقُ الشَّكْلُ . يَتّسعُ الكلامُ . أُفيضُ

عن حاجات مفردتي . وأَنْظُرُ نحو

نفسي في المرايا :

هل أَنا هُوَ ؟

هل أُؤدِّي جَيِّداً دَوْرِي من الفصل

الأخيرِ ؟

وهل قرأتُ المسرحيَّةَ قبل هذا العرض ،

أَم فُرِضَتْ عليَّ ؟

وهل أَنا هُوَ من يؤدِّي الدَّوْرَ

أَمْ أَنَّ الضحيَّة غَيَّرتْ أَقوالها

لتعيش ما بعد الحداثة ، بعدما

انْحَرَفَ المؤلّفُ عن سياق النصِّ

وانصرَفَ المُمَثّلُ والشهودُ ؟

ـــــــ

لم تـأت سـاعـتُنا . فـلا رُسُـلٌ يَـقِـيـسُـونَ

الزمانَ بقبضة العشب الأخير . هل استدار ؟ ولا ملائكةٌ

يزورون المكانَ ليتركَ الشعراءُ ماضِيَهُمْ على الشَّفَق

الجميل ، ويفتحوا غَدَهُمْ بأيديهمْ .

فغنِّي يا إلهتيَ الأثيرةَ ، ياعناةُ ،

قصيدتي الأُولى عن التكوين ثانيةً …

فقد يجدُ الرُّوَاةُ شهادةَ الميلاد

للصفصاف في حَجَرٍ خريفيّ . وقد يجدُ

الرعاةُ البئرَ في أَعماق أُغنية . وقد

تأتي الحياةُ فجاءةً للعازفين عن

المعاني من جناح فراشةٍ عَلِقَتْ

بقافيةٍ ، فغنِّي يا إلهتيَ الأَثيرةَ

يا عناةُ ، أَنا الطريدةُ والسهامُ ،

أَنا الكلامُ . أَنا المؤبِّنُ والمؤذِّنُ

والشهيدُ

ــــــ

مثلما سار المسيحُ على البحيرة …

سرتُ في رؤيايَ . لكنِّي نزلتُ عن

الصليب لأنني أَخشى العُلُوَّ ولا

أُبشِّرُ بالقيامة . لم أُغيِّر غيرَ إيقاعي

لأَسمع صوتَ قلبي واضحاً …

للملحميِّين النُسُورُ ولي أَنا طَوْقُ

الحمامة ، نَجْمَةٌ مهجورةٌ فوق السطوح ،

وشارعٌ يُفضي إلى الميناء … /

هذا البحرُ لي

هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي

هذا الرصيفُ وما عَلَيْهِ

من خُطَايَ وسائلي المنويِّ … لي

ومحطَّةُ الباصِ القديمةُ لي . ولي

شَبَحي وصاحبُهُ . وآنيةُ النحاس

وآيةُ الكرسيّ ، والمفتاحُ لي

والبابُ والحُرَّاسُ والأجراسُ لي

لِيَ حَذْوَةُ الفَرَسِ التي

طارت عن الأسوار … لي

ما كان لي . وقصاصَةُ الوَرَقِ التي

انتُزِعَتْ من الإنجيل لي

والملْحُ من أَثر الدموع على

جدار البيت لي …

واسمي ، إن أخطأتُ لَفْظَ اسمي

بخمسة أَحْرُفٍ أُفُقيّةِ التكوين لي :

ميمُ / المُتَيَّمُ والمُيتَّمُ والمتمِّمُ ما مضى

حاءُ / الحديقةُ والحبيبةُ ، حيرتانِ وحسرتان

ميمُ / المُغَامِرُ والمُعَدُّ المُسْتَعدُّ لموته

الموعود منفيّاً ، مريضَ المُشْتَهَى

واو / الوداعُ ، الوردةُ الوسطى ،

ولاءٌ للولادة أَينما وُجدَتْ ، وَوَعْدُ الوالدين

دال / الدليلُ ، الدربُ ، دمعةُ

دارةٍ دَرَسَتْ ، ودوريّ يُدَلِّلُني ويُدْميني /

وهذا الاسمُ لي …

ولأصدقائي ، أينما كانوا ، ولي

جَسَدي المُؤَقَّتُ ، حاضراً أم غائباً …

مِتْرانِ من هذا التراب سيكفيان الآن …

لي مِتْرٌ و75 سنتمتراً …

والباقي لِزَهْرٍ فَوْضَويّ اللونِ ،

يشربني على مَهَلٍ ، ولي

ما كان لي : أَمسي ، وما سيكون لي

غَدِيَ البعيدُ ، وعودة الروح الشريد

كأنَّ شيئا ً لم يَكُنْ

وكأنَّ شيئاً لم يكن

جرحٌ طفيف في ذراع الحاضر العَبَثيِّ …

والتاريخُ يسخر من ضحاياهُ

ومن أَبطالِهِ …

يُلْقي عليهمْ نظرةً ويمرُّ …

هذا البحرُ لي

هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي

واسمي -

وإن أخطأتُ لفظ اسمي على التابوت -

لي .

أَما أَنا - وقد امتلأتُ

بكُلِّ أَسباب الرحيل -

فلستُ لي .

أَنا لَستُ لي

أَنا لَستُ لي …