مقترحات لهيكلة الإدارة العامة

الدكتور رجائي المعشر
يتطلب تطوير الإدارة الحكومية رؤية جديدة وجادة بشأن هيكلة الإدارة العامة بهدف زيادة فاعليتها وقدرتها على الانجاز وسرعة البت في القضايا المطروحة ووضع معايير واضحة للعمل للحد من الاجتهاد والتفسير والازدواجية في التعامل مع القضية الواحدة. ولا بد أيضا من تبسيط الإجراءات ووضع آليات جديدة بقصد مأسسة التنسيق بين الوزارات والمؤسسات العامة ومأسسة العلاقة مع القطاع الخاص.
لأجل ترشيق الجهاز الحكومي وهو هدف قديم جديد فإن ذلك يتطلب دمج العديد من المؤسسات والهيئات والوزارات وفق معايير وأسس تضمن زيادة إنتاجية الإدارة العامة وتحسين أدائها، بحيث تستند عمليات دمج المؤسسات على أسس قطاعية وعملية تعيد الولاية العامة للوزير على شؤون قطاعه.
الإدارة العامة مكلفة بالقيام بالمهام التالية على أعلى درجات الكفاية:

  1. التشخيص والتخطيط
  2. التنفيذ
  3. المتابعة والتقييم.
    ​من الأهمية بمكان الفصل التام بين المهام المذكورة فتقوم على كل مهمة جهة مستقلة عن الجهة المعنية بالمهمة الأخرى إذ لا يجوز ان تكون الجهة الواحدة معنية بأكثر من مهمة. وتجربة الأردن في الموازنة الموجهة بالنتائج خير دليل على عدم نجاعة هذا الاسلوب في العمل العام وعليه، فإنني أرى ضرورة ما يلي: -
اضافة اعلان

أولاً: - إنشاء وجهة معنية بالتخطيط وهنا أقترح العودة إلى العمل بالمجلس الوطني للتخطيط تكون مهامه: -

1- وضع خطط وبرامج تنموية اقتصادية واجتماعية للحكومة مدتها من (3-5) سنوات تكون ملزمة لجميع أجهزة الدولة وعابرة للحكومات. تجري مراجعتها دوريا على ضوء مخرجات المتابعة والتقييم .
2- وضع خطة تنمية لكل محافظة بالتعاون مع الجهات المعنية تكون منسجمة مع الخطة الوطنية.
3- وضع الاستراتيجيات القطاعية بالتعاون مع الوزارات والمؤسسات المعنية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص.

ثانياً: - تقسيم الوزارات حسب طبيعة مهامها إلى:
1- الوزارات السيادية وهي (الداخلية، الدفاع، البلديات، المالية، الخارجية، العدل، الأوقاف، التنمية السياسية، الإعلام، البيئة، العمل).
2- الوزارات الاقتصادية الإنتاجية وهي: (الاستثمار، الصناعة والتجارة، الطاقة، الزراعة، السياحة، المياه والري، الاتصالات).
ج - الوزارات الخدمية وهي: (التربية والتعليم والتعليم العالي، الصحة الشباب، الأشغال، النقل، التنمية الاجتماعية).
ثالثاً- في مجالات هيكلة الوزارات السيادية على سبيل المثال
1- دمج وزارة الإدارة المحلية ووزارة الداخلية بحيث تكون مسؤولة عن البلديات واللامركزية ويلحق بهذه الوزارة دائرة الاراضي والمساحة.
2- وزارة المالية وتضم (الجمارك وضريبة الدخل، واللوازم والشراء الموحد).
جـ - إحداث وزارة الخزينة وإدارة المال العام تضم دائرة الموازنة العامة وجميع النشاطات التمويلية التي تنبثق عن وزارة التخطيط وتكون مهامها:

1- وضع السياسة المالية للحكومة ورفعها لإقرارها من مجلس الوزراء.
2- وضع الموازنة العامة في ضوء خطط الحكومة التنموية
3- ادارة المال العام وسبل الانفاق والرقابة على المال العام
4- العلاقة مع الصناديق الدولية والدول المانحة والدول الداعمة
د- تشكيل لجنة اقتصادية عليا تضم في عضويتها :

  • وزارة الخزينة – السياسة المالية
  • وزارة المالية – التمويل والإيرادات
  • وزارة الصناعة والتجارة – الاستثمار والنشاط الاقتصادي
  • التخطيط – التخطيط الاستراتيجي متوسط وبعيد المدى
  • البنك المركزي – السياسة النقدية. تكون مهام هذه اللجنة:
    تنسيق السياسات الاقتصادية المختلفة بهدف الوصول بها نحو الشمول الذي يحقق النمو المستدام.
    رابعاً- في مجال هيكلة الوزارات القطاعية الإنتاجية على سبيل المثال:
    • دمج وزارة الصناعة والتجارة والتموين مع الاستثمار (بكل هيئاته) لتصبح مرجعية واحدة للنشاط الاقتصادي وتحفيزه.

خامساً- في مجال هيكلة الوزارات الخدمية على سبيل المثال
• دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي.
• إنشاء مجلس أعلى للتعليم العالي برئاسة وزير التربية والتعليم.
تقوم الحكومة بعد اعتماد هذا المفهوم للإدارة العامة بدراسة أهداف المؤسسات والدوائر الحكومية وتحديد مهامها: فإذا كانت مهامها تنفيذية على سبيل المثال يتم دمجها بالوزارات ذات العلاقة وإذا كانت أعمالها رقابية تبقى مستقلة للمحافظة على مبدأ فصل الرقابة عن التنفيذ.

لقد قامت الحكومات بإحداث مؤسسات مستقلة ووزارات عبر السنين لأسباب مختلفة منها حسبما طلب الممولون كما هو الحال في سلطة وادي الأردن وسلطة الكهرباء وسلطة المياه في ذلك الوقت. كما أن عملية الخصخصة فرضت واقعاً يتطلب إنشاء هيئات تنظيمية مثل هيئة تنظيم قطاع الكهرباء وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات وغيرها.
لذلك فإن نجاح عملية دمج المؤسسات لا يمكن أن يحقق أهدافه دون الدراسة المتأنية لمهام المؤسسات والهيئات المستقلة المختلفة للوصول إلى قناعة حول ضرورة وجودها من عدمه لغايات زيادة انتاجية الإدارة العامة وكفاءة انفاقها والحد من الهدر في المال العام، وازدواجية العمل، وإزالة التعقيدات البيروقراطية.

أثبتت تجربة الأردن في دمج المؤسسات عدم نجاعتها، فقد دمجت حكومات عديدة وزارات مختلفة مع بعضها البعض لتعود عن قرارها لاحقاً لعدم جدواها. كما أن دمج المؤسسات بالوزارات المختلفة الذي تم حتى الآن لم يحقق أهدافه في زيادة الانتاج وكفاءة الإنفاق وتحسين الخدمة. لذلك لا بد من التروي قبل إقرار الدمج بين الوزارات المختلفة أو دمج المؤسسات بالوزارات أو إلغاء المؤسسات المستقلة.

ما أقدمه في هذا المجال هذا المجال هو واحد من عدة مقترحات يمكن اعتمادها لغايات إعادة هيكلة الإدارة العامة. ولأجل ذلك أقترح تشكيل لجنة وطنية عليا من المختصين والخبراء تدرس إعادة هيكلة الإدارة العامة وتضع التصور العلمي لها لكي تكون نتائجها مفيدة ومثمرة.