"مقتل طفل التوحد" يطرح قضية عجز أسر عن علاج ابنائها

اختصاصية تربوية تعلم طفلا يعاني من اضطراب نمائي في أحد المراكز بعمان (رويترز)
اختصاصية تربوية تعلم طفلا يعاني من اضطراب نمائي في أحد المراكز بعمان (رويترز)

نادين النمري

عمان- أعادت جريمة القتل البشعة بحق طفل مصاب بالتوحد على يد والده الأسبوع الماضي، تسليط الضوء على معاناة أطفال مرضى، وسط تقاعس من جهات معنية عن توفير برامج تأهيل ومساعدة لهم على الاندماج في الحياة.اضافة اعلان
القضية التي أثارت الرأي العام، دفعت بأسر عديدة تعاني أعباء مرض أطفال لها، للتوجه والحديث عن معاناتها في رحلة علاجهم.
ولفتت غالبية هذه الأسر أنها غير قادرة على توفير تأهيل أطفالهم، لارتفاع تكاليف علاجهم، بينما تظهر وسط ذلك، مؤسسات وشركات خاصة تبيع "الوهم" لهذه الاسر لمعالجة أطفالهم، في وقت يكاد يكون فيه الدعم الحكومي لمساعدتها شبه معدوم.
وكان أب ثلاثيني أقدم على القاء طفله (8 أعوام) عن ظهر بناية مهجورة، ثم أحرق جثته لإخفاء معالم الجريمة، مبررا ذلك بـ"رغبته في تخليص ابنه من الألم والمتاعب، خصوصا وأن عائلته تعاني من تفكك أسري، وتعيش في حالة فقر مدقع".
الأب وفي اعترافاته، قال إنه "تقدم بطلب للحصول على إعفاء لإدخال ابنه في مركز إيوائي، إلا أن طلبه جوبه بالرفض، لكنه لم يحدد الجهة التي لجأ لها".
وترى أسر لديها أبناء من ذوي الاعاقة، أن الجريمة لا يمكن تبريرها بأي حال من الاحوال، لكنها في الوقت نفسه تلقي الضوء على معاناة الأسر و"فشل" الجهات المختصة في توفير الخدمات المتكاملة للأطفال ذوي الاعاقة في مجالات التشخيص المبكر وتوفير الرعاية الطبية والاجتماعية والاقتصادية لهم.
أم سامي (اسم مستعار) قالت عن معاناتها في الحصول على اعفاء لادماج ابنها في مركز نهاري لتأهيل الأطفال المتوحدين "تقدمت بطلب للمجلس الاعلى لشؤون الاشخاص المعوقين بالحصول على إعفاء لدمج طفلي بأحد المراكز، فطلب مني المجلس وثائق تثبت عدم قدرتي على تحمل المصاريف كاملة، وبعد أن تمكنت من جمعها، طلب مني المجلس العودة لمراجعته بعد 7 أشهر".
وأضافت أم سامي "ماذا افعل خلال الأشهر السبعة هذه، حاولت الاندماج في دورات تدريبية للتعامل مع طفلي، وشكلت ونساء اخريات حلقات دعم لمساندة بعضنا في التعامل مع أطفالنا، لكني في كثير من المرات، أشعر أني عاجزة عن تقديم الرعاية لطفلي وحتى فهمه".
في مقابل ذلك، تمكنت ام فادية وهي ام شابة مصابة بتوحد من الدرجة الشديدة من نيل دعم المجلس في تحمل جزء من تكلفة اقامة ابنتها في دار ايواء، لكن "للأسف، لم يستمر الدعم سوى شهرين، بعدها أوقف المجلس الدعم".
وأوضحت "كان ايداع ابنتي (30 عاما) في دار رعاية ايوائية آخر الخيارات بالنسبة لي، لكن رعايتها في المنزل باتت شبه مستحيلة، فتقدمي في السن حال دون تلبية احتياجاتها الأساسية".
وتعمل أم فادية بوظيفة، تتطلب قضاء وقت طويل خارج المنزل، لكن ترك العمل ليس خيارا بالنسبة لها، فالى جانب ابنتها البكر، تعيل ام فادية ابنا وبنتا على مقاعد الدراسة الجامعية، بعد أن تخلى طليقها عن مسؤولية الإنفاق على أبنائه.
وتوفر وزارة التنمية الاجتماعية الدعم للأشخاص ذوي الإعاقة عن طريق مسارين، الأول؛ المعونة الوطنية للأسر التي ترعى أبناء من ذوي الإعاقة، ويستفيد منها نحو 12 ألف شخص ذي إعاقة.
أما المسار الآخر، فيمكن بإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية والمصابين بطيف التوحد في المراكز التابعة للوزارة، سواء الإيوائية أو النهارية وعددهم 9300 شخص.
في المقابل، يغطي مجلس "شؤون المعوقين" جزءا من تكاليف الاشخاص ذوي الاعاقة في المراكز التابعة للقطاع الخاص، سواء النهارية منها أو الايوائية، لكن نسبة هؤلاء ضيئلة مقارنة بعدد الأطفال ذوي الإعاقة.
ولمواجهة هذه الإشكالة، طالبت وزارة التنمية الاجتماعية بإنشاء الصندوق الوطني لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة، لضمان وصول المعونة لمستحقيها.
ويعد إنشاء هذا الصندوق ووضع نظام له، امرا موجبا بالاستناد لقانون حقوق الاشخاص المعوقين، ويعتبر تفعيله تنفيذا للقانون والتزامات الحكومة بموجب الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة.
وتنص المادة 13 من قانون حقوق الأشخاص المعوقين على أنه "يؤسس في المجلس (الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين) صندوق يسمى (الصندوق الوطني لدعم الأشخاص المعوقين)، يرتبط بالرئيس ويكون له حساب مالي مستقل".
ويتولى المجلس، توفير الموارد المالية لدعم البرامج والأنشطة الخاصة بالإعاقات، وتوزيعها على جهاتها المختلفة وفق أسس ومعايير وقرارات صادرة عن المجلس لهذه الغاية.
وإن كان العامل المادي عائقا امام غالبية الاسر في التعامل مع اعاقة أطفالهم، لكن أسرا أخرى وبرغم قدرتها المادية، لم تجد نفسها معزولة وعرضة للاستغلال من مؤسسات، تابعة للقطاع الخاص، ترى تلك العائلات ان "التوحد بات تجارة على جروح الأهالي ومرض الأبناء".
وفي السياق نفسه، التحق سيف (اسم مستعار) بمدرسة متخصصة في التعامل مع الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية والتوحد، يبلغ القسط السنوي لسيف 9 آلاف دينار سنويا.
وقالت الام في "نهاية العام الحالي سيبلغ ابني 19 عاما، وبحسب قانون المدرسة لا يسمح له البقاء لأعوام أكثر. أشعر الآن بالضياع، ولا اعرف أي مكان آخر يمكن الانخراط به، فقد اعتاد على هذا المكان وعلى المحيطين به في المدرسة".
وتابعت "ألحقت ابني في المدرسة قبل نحو 12 عاما، قبلها كان في مدرسة قطاع خاص، لكن نتيجة لدرجة التوحد لديه، لم يتمكن من الانخراط في التعليم النظامي الرسمي".
وأضافت أم سيف "عند تسجيلي لابني في هذه المدرسة تحيددا، تلقيت وعودا من القائمين عليها، بأن ابني سيتحسن كثيرا، وسيتمكن من القراءة والكتابة واكتساب مهارات قد تعينه مستقبلا على العمل في مهن بسيطة".
وبينت أنه "للأسف هذا لم يحصل، أعتقد أن المبالغ الهائلة التي دفعتها في تلك الأعوام، كانت فقط لتوفير مكان آمن لطفلي خلال النهار، فضلا عن قيامه ببعض النشاطات هناك".
وأشارت إلى أنها حاولت بشتى الطرق تحسين حالة ابنها الصحية "جربت كل شيء من النظام الغذائي المحدد للمصابين بطيف التوحد إلى العلاج بالأكسجين المضغوط".
وأوضحت "لعل العلاج بالأوكسجين المضغوط، يعكس أكبر اشكال الخداع التي تعرضت لها، إذ تبلغ تكلفة دورة العلاج به 3200 دينار لقاء 40 جلسة قد تتجدد، إذ خضع ابني للعلاج بها مرتين بمعدل 80 جلسة، وفي النتيجة اهدرت 8400 دينار".
وبعد فشل العلاج، قال لي مسؤول المركز إن "العلاج بالاكسجين يختلف من شخص إلى آخر، وعدم تجاوب ابني مع العلاج لا يعني أن العلاج فاشل".
وفي وقت استطاعت فيه اسرة سيف تجاوز خسارتهم المالية من العلاج الفاشل، إلا أن أم فيصل، اضطرت لبيع مصاغها الذهبي كاملا لتوفير علاج لابنها، هو علاج غير مجد.
استشاري اعصاب الأطفال، عضو هيئة التدريس بكلية الطب في الجامعة الأردنية الدكتور عبدالكريم القضاة يقول في محاضرة سابقة إن "اضطراب التوحد ما يزال مجهول الاسباب"، موضحا ان "كل ما يتوافر حاليا حول اسباب الاضطراب، مجرد فرضيات".
وبين القضاة ان "كون الاسباب وراء اضطراب التوحد غير واضحة ومؤكدة، فبالتالي يكون العلاج كذلك غير مثبت، بل يعتمد على الفرضيات".
وأوضح أن "علاج التوحد، يكمن في التعديل السلوكي والبرامج التربوية المتخصصة، فضلا عن العلاج بالأدوية للتقليل من الأعراض المرافقة للتوحد وليس للشفاء منه".
وحول العلاج بالأكسجين بين القضاة أنه "لا يوجد لغاية الآن ما يثبت قطعيا فاعلية الاكسجين في علاج التوحد".
وقال إنه "برغم اعتماد الاوكسجين المضغوط بعلاج عدد من الامراض كالشلل الدماغي والجلطة الشديدة وامراض الغوص، لكن ايا من الدول المتقدمة طبيا كالولايات المتحدة الاميركية وكندا والدول الاوروبية، لم تعتمده كعلاج للتوحد".
ورأى القضاة في العلاج بالاكسجين انه "من الطرق غير المثبتة علميا، وغالبا ما يلجأ إليه الناس أملا بالحصول على نتيجة، غالبا لا تحصل، فضلا عن ارتفاع تكلفتها المادية، والتي تؤكد أنها تجارة واضحة".