مقتل فَارخُنده..!

فيما يلي جزء من تقرير نشره موقع صحيفة "نيويورك تايمز" يوم 26 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، مرفقا بشريط فيديو للقتل الوحشي، صوَّره المشاركون في القتل، والمتفرجون، بكاميرات هواتفهم:اضافة اعلان
"نالت فارخُنده فرصة واحدة للهروب من الغوغاء الذين أرادوا قتلها. رفعها اثنان من رجال الشرطة الأفغان على سطح سقيفة منخفض، فوق الحشد الغاضب.
لكن الرجال الغاضبين تحتها التقطوا الأعمدة وألواح الخشب، وانهالوا عليها حتى ارتخت قبضتاها وهوت إلى أسفل.
بينما تغطَّى وجهها بالدماء، ناضلت لتقف على قدميها. وعندما وضعت يديها على رأسها، كسا ملامحها الرَّوع حين وجدت أن المهاجمين انتزعوا حجابها وهي تسقط. وأطبق عليها حشد الرعاع، يركلونها ويقفزون على جسدها النحيل.
الساعات الأخيرة المعذبة لفارخُنده ماليكزادا، طالبة الإسلام الطموحة التي كانت تنتظر العمل في تدريس الدين للفتيات، والتي اتهمت بحرق القرآن في مزار إسلامي، صدمت الأفغان في كل أنحاء البلاد، لأن العديد من قتلتها صوروا بعضهم البعض وهم يضربونها ونشروا صوراً لجسمها المحطم على وسائل الإعلام الاجتماعية. وشاهد المئات من الرجال الآخرين، رافعين هواتفهم عالياً لمحاولة التقاط لمحة من العنف، لكنهم لم يبذلوا أي محاولة للتدخل. وضم المتفرجون الواقفون على الهوامش العديد من ضباط الشرطة".
زارت فارخندا ضريح "شاه-دو شامشيرا" –المسمى على اسم محارب أجنبي يقال إنه ساعد في جلب الإسلام إلى أفغانستان- لأول مرة قبل مصرعها بأربعة أسابيع.
كان يوم أربعاء، اليوم المخصص لزيارة النساء، حيث لا يسمح للرجال بالدخول. وهناك ترثي النساء حياتهن، ويزرن العراف في المزار لشراء التمائم (الحجابات) لتساعدهن على الحمل، أو العثور على زوج، أو إنجاب أولاد ذكور. والتمائم كتابات على قطعة صغيرة من الورق، تعلقها المرأة على جسدها أو تضعها في جيب.
ذهلت فاخُنده من الطريقة التي يتم بها استغلال النساء بالخرافات. ويقول شقيقها، مجيب الله، إأنها واجهت حارس المزار، زين الدين، والكاهن، محمد عمران، وقالت لهما: "أنتما تستغلان النساء. أنتما تأخذان منهما المال لقاء شيء غير إسلامي، ليس هذا من الدين".
وقال مجيب الله إن جوَّ المزار أصبح متوتراً وقال الحارس لفارخُنده: "من أنت بحق الجحيم؟ من أنت لتقولي هذا؟ انصرفي من هنا".
ثم تبين أن فارخُندة كانت على حق: كان هناك شيء خاطئ يجري في المزار. وعلِمَ محققون من الشرطة ومديرية الأمن الوطني وجهاز المخابرات الأفغانية فيما بعد أن العراف، بمساعدة الحارس على الأغلب، كان يهرب حبوب الفياجرا والواقيات الذكرية، كما تقول شهلا فريد، العضو في مجموعة لجنة التحقيق التي عيّنها الرئيس أشرف غاني بعد القتل.
كما وجد الباحثون شرائط لاختبارات الحمل والرائحة الحلوة لسوائل غسل الجسم في حمام العراف، مما يشير إلى أن النساء ربما كن يستخدمنه. وقالت السيدة فريد ومحققو الشرطة إن من الممكن أن يكون العراف قد مارس عملاً إضافياً كقواد.
كان آخر شيء يريد العراف أن يراه هو امرأة شابة، مدفوعة بالحماس والورع الديني، والتي تعرقل وسيلته لكسب العيش.
يوم 19 آذار (مارس) 2015، اليوم الأخير من حياتها، عادت فارخُندة إلى المزار. وبعد أن وعظت النساء في المكان حول عدم جدوى التمائم، جمعت بعض الحجابات المستخدمة، وربما أضرمت النار فيها في سلة للمهملات، كما قالت السيدة فريد، وهي أيضاً أستاذة القانون في جامعة كابول.
"الخادم، زين الدين، كان أمياً، وأخذ الأوراق المحترقة، وأضاف إليها بعض صفحات قديمة من قرآن محروق، وهذا هو ما أظهره للناس خارج المسجد كدليل على أنها حرقت القرآن"، كما قالت السيدة فريد.
أثبتت التحقيقات أن فارخنده لم تحرق القرآن، واعتقلت السلطات 49 شخصاً شاركوا في قتلها، منهم خادم المزار والعراف ورجال الشرطة الذين كانوا حاضرين وفشلوا في حمايتها.
                                   *   *   *
قتل فارخُندة والفيديو المرعب، يعيدان رُعب قصة الكاتبة الأميركية شيرلي جاكسون، "اليانصيب"، حين يجتمع كل سكان بلدة في يوم يشبه العيد، ويسحبون أوراقاً من صندوق قديم، ليكون "الرابح" امرأة يتبين أن "جائزتها" هي الرجم حتى الموت. وفي النهاية، يطبق عليها الحشد مثل فارخُنده.
هنا، لم تعد الوحشية تستنجد بعمل المخيلة. في بلادنا تقيم "عدالة" الرعاع في منطقة الواقعية – وتمر الوحشية باسم "الشرف" و"الدين"!