مقر إقامة حماس

كلما دخلت المنطقة إلى مرحلة جديدة نسمع تحليلات وتسريبات حول خيارات قيادة "حماس" في الخارج في الإقامة. ومؤخرا، عادت ذات القضية إلى الطرح، وبخاصة في ظل التداعيات على الساحة السورية. وهي أسئلة مشروعة، لكن المتغيرات لم تحدث على الأرض السورية فقط، بل حدثت أيضا على الصعيد الفلسطيني حيث تم توقيع اتفاق المصالحة، وأيضا جاءت من مصر معادلة جديدة من خلال فتح مصر معبر رفح بشكل دائم، لتصبح غزة مفتوحة على العالم من دون الحاجة إلى قرار إسرائيلي لأن إدارة المعبر ستكون مصرية فلسطينية.اضافة اعلان
"حماس" وقيادتها في الخارج، وهي القيادة الفعلية التي بيدها مقاليد الأمر، لديها اليوم خيار يخرجها من تحت رحمة الظروف، وهو العودة إلى غزة، أي الأرض الفلسطينية التي تحكمها "حماس" والتي ستكون مفتوحة على العالم من خلال مصر ومن دون أي تحكم إسرائيلي. و"حماس" اليوم تملك أرضا ومنطلقا لعملها، وهي أيضا ستعيش وسط الشعب الفلسطيني، وستنتقل من ملف أمني في دول الإقامة الحالية إلى العمل على أرضها وبين قواعدها، فلماذا تبقى تبحث عن مكان إقامة بشروط وتحت رحمة المتغيرات وهي تملك أرضا وشعبا وسلطة وجهازا عسكريا وأمنيا وموازنة؟
والجديد أن المصالحة الأخيرة ستنتج انتخابات فلسطينية جديدة، فلماذا لا يكون قائد "حماس" في الخارج مرشحا لرئاسة السلطة أو رئيسا للوزراء، يحكم شعبه الفلسطيني ويعيش بينهم، فالأمر اختلف عما كانت عليه الأمور قبل سنوات؟
الواقع الذي رافق العمل الفلسطيني من قيادتي الداخل والخارج انتهى منذ سنوات طويلة لدى منظمة التحرير ومعظم الفصائل، عندما عاد معظمهم إلى مناطق السلطة وأصبح الداخل هو الثقل القيادي، وأصبحت الفصائل تعمل في الضفة وغزة. وفي ظل الواقع الجديد، فإن "حماس" أيضا ستكون ملزمة بإنهاء فكرة قيادتي الداخل والخارج، أو أن يكون الثقل القيادي في الخارج، لأن هذا مبرر لو لم تكن هناك سلطة وحكومة فلسطينية تشارك فيها "حماس" وتقودها، كما أنها أغلبية في المجلس التشريعي، فهي ليست تنظيما مشردا بل هي جزء كبير من النظام الفلسطيني الرسمي.
أما الملف الأمني والخوف من الاغتيالات، فالأمر لم يعد مرتبطا بالجغرافيا، فـ"الموساد" اغتال عماد مغنية أحد قادة حزب الله في شوارع دمشق، واغتال بعض قادة "حماس" في دمشق أيضا، ووصل بإجرامه إلى الإمارات العربية واغتال القائد العسكري لحماس محمود المبحوح، وبعض شحنات السلاح المتجه إلى "حماس" تم قصفه في السودان مرتين، أي أن الأمن تصنعه السياسة، وشوارع العواصم العربية ليست أكثر أمانا من غزة والضفة.
الأمر ليس خاصا بالإقامة وأماكن الاجتماعات والمكاتب، بل له علاقة بتوطين قيادة "حماس" على أرضها  التي تحكمها. ومن هم اليوم قيادة للحركة يمكن أن يكونوا وزراء في حكومة السلطة، لأن الأمر الطبيعي هو قيادة السلطة وحكم الناس وإدارة الصراع مع الاحتلال، أما الإقامة في الخارج فإنها حالة مؤقتة.
فتح معبر رفح بشكل دائم لا يفتح الباب لحل مشكلة إقامة قيادة "حماس" وإنهاء فكرة قيادتي الداخل والخارج فحسب، بل هو فتح لباب عودة كل من شردهم الاحتلال من أهل غزة إلى بلادهم بيسر وسهولة، عودة من دون إذن من الاحتلال تجعل الفلسطيني يعيش على أرضه وداخل دولته، ويؤدي دوره في الوصول إلى نهاية الاحتلال.