مقياس استعادة هيبة الدولة

بدأ الخطاب الحكومي يتحدث بشكل واضح عن "خطة استعادة هيبة الدولة"، بدون أن يعلن تفاصيل هذه الخطة أو بعض ملامحها، فيما الظاهر للعيان يتمثل في الحملة الأمنية التي تخوضها قوات الأمن في مناطق متفرقة من البلاد، وتستهدف مطلوبين في قضايا محددة.اضافة اعلان
الإيجابي في الموضوع أن الحكومة تعترف رسميا بأن هيبة الدولة مستباحة، وأنها تسعى إلى استعادتها. وهي المقولة التي يكررها الكبير والصغير، في عرض البلاد وطولها، منذ سنوات، لكن بقيت الحكومات تواجه هذه الحالة بالصمت والهروب.
الأمر الإيجابي الآخر هو وجود خطة، كما جاء على لسان وزير الداخلية قبل يومين في المفرق. وهذا يفترض وجود تقدير دقيق للموقف، ويفترض أيضا الشمولية وتوفر البدائل. لكن المصيبة إذا كان المقصود بهذه الخطة فقط حملة قوات الدرك، والاكتفاء بالمعالجة الأمنية المباشرة والآنية، والتي قد لا تترك إلا المزيد من الاحتقان، حينما تعود القوات في نهاية اليوم بدون القبض على المطلوبين.
لا يوجد شك في أن مطلب استعادة حضور الدولة وهيبتها أصبح مطلبا شعبيا، أكثر من كونه حاجة رسمية. ومن المفترض أننا قد تجاوزنا الخلاف على مفهوم هيبة الدولة، وأن هذا لا يعني بأي شكل قوة حضور الشرطة في الشوارع، ولا مجرد مطاردات قوات الدرك. ولكي نكون أكثر دقة، فإن الخطة المطلوبة هي "استعادة كفاءة الدولة"؛ أي قدرة مؤسسات الدولة على القيام بمهامها بكفاءة وجدارة، وهذا ينسحب على القانون وإنفاذه، وعلى الإجراءات والقدرات التحصيلية والتوزيعية للدولة.
لو افترضنا إيجاد مقياس لمراقبة استعادة كفاءة الدولة، فإن ذلك يتطلب وضع مجموعة من المعايير التي يمكن قياسها من خلال مؤشرات للأداء، بعضها يقاس على المدى القصير، وبعضها الآخر يحتاج إلى تراكم طويل. وجود هذه المعايير وما يرتبط بها من مؤشرات أداء هو حاجة ملحة، على مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في المجال العام ووسائل الإعلام الإسراع إلى تبنيها، واستدامة تزويد الرأي العام بنتائج الأداء العام على طريق بناء الكفاءة الوطنية.
ما هي المعايير المتوقعة؟ علينا تذكر أننا لا نؤسس للدولة، بل المطلوب هو إصلاح المسار. لذا، فالمعيار الأول هو كفاءة التوازن بين السلطات. وتندرج تحت هذا المعيار العديد من المؤشرات التي يمكن مراقبتها أسبوعيا في أداء الحكومة والبرلمان والقضاء، وتتمثل في آلية الرقابة والتوازن التي تعني كفاءة الأداء في طرح السياسات العامة وتنفيذها. أما المعيار الثاني، فهو إنفاذ القانون. وتندرج تحت ذلك عشرات المؤشرات التي تبدأ من حماية حقوق الإنسان الأردني كما كفلها الدستور، ولا تنتهي بحماية الأرصفة والشوارع من اعتداءات الباعة. ويتمثل المعيار الثالث في كفاءة القدرات التوزيعية للدولة، وهي مرتبطة بكفاءة قدراتها التحصيلية. وتحت هذا المعيار، يمكن أن ندرج عشرات المؤشرات على كفاءة الأداء العام، والتي يمكن أن تتابع أسبوعيا وعلى المدى الطويل، وتبدأ من عدالة تحصيل الضرائب وكفاءة التعامل مع الموارد، إلى العدالة التوزيعية القطاعية والأقاليمية. أما المعيار الرابع، فهو دمقرطة الأداء العام للدولة؛ أي الديمقراطية في الأداء المؤسسي وفي سير العمل اليومي في مرافق الدولة تحت سيادة القانون، والتي تعني إتاحة المجال لتكافؤ الفرص، وإبراز الكفاءات الوطنية، وتحفيز العمل المبدع، وفتح الطريق أمام الريادة وأدوات التغيير.
والمعيار الأخير هو كفاءة الأداء الرمزي للدولة، والمتمثل في إعادة تعريف الولاء والانتماء للدولة الأردنية، والتمييز بين مكانة الدولة وبين أداء الحكومات. وتحت معيار الأداء الرمزي، هناك العشرات من معايير الأداء، منها كافة أشكال التعبير الفكري والثقافي والفني التي تخلق مضامين مستدامة للاندماج الاجتماعي والتكامل السياسي خلف أهداف وقيم وطنية كبرى.
نحن في أمسّ الحاجة، في هذا الوقت، إلى عمل جاد وعلمي لإحاطة الرأي العام بمدى جدية الخطوات التي تتخذها الحكومة ومؤسسات الدولة؛ وفي أمسّ الحاجة إلى قياس كفاءة الدولة كل شهر، وربما كل يوم، بدلا من الغناء الممل والمزعج عن هيبة الدولة.

[email protected]