مكب الرصيفة غير القانوني: آلاف الأطنان من النفايات وسحب حرقها تغطي ليل السكان

ابقار تأكل من نفايات المكب- (الغد)
ابقار تأكل من نفايات المكب- (الغد)

حسان التميمي

الرصيفة-  روائح كريهة تنبعث طوال النهار وسحب من الدخان المتصاعد من النفايات المحترقة تغطي السماء ليلا، هذه هي حال المناطق المحيطة بمكب غير قانوني في لواء الرصيفة، بحسب سكان، ليضاف هذا المكب الى مجمل المخاطر البيئية التي تعصف باللواء منذ عقود، وخاصة رمال الفوسفات المشع. اضافة اعلان
فقد أضحت مدينة الرصيفة على أعتاب أزمة بيئية جديدة تعمق معاناة سكان اللواء المحاطين بالملوثات، عقب تحول قطعة أرض مساحتها 91 دونما إلى مكب غير قانوني لحرق النفايات الصلبة يتوسط مناطق إسكان الأمير هاشم، والمشيرفة، والفاخورة، وأطراف مخيم حطين، والمنطقة الحرفية والصناعية.
ويتهم سكان هذه المناطق بلدية الرصيفة بشكل صريح بالوقوف خلف هذه "الأزمة" بتحويلها قطعة الأرض المملوكة لأمانة عمان الكبرى والواقعة ضمن حدود البلدية إلى مكب لمئات أطنان النفايات التي يتم جمعها من منطقة حطين يوميا ومن ثم حرقها مرتين في ذات اليوم "استقرابا" للمسافة و"توفيرا" للتكلفة بدلا من نقلها إلى مكب النفايات في الزرقاء.
غير أن بلدية الرصيفة، والإدارة الملكية لحماية البيئة نفتا وقوف البلدية وراء تحويل الأرض إلى مكب للنفايات، وألقتا باللوم على سكان لتسببهم بهذه الأزمة.
كما أنحت بلدية الرصيفة باللوم على أمانة عمان الكبرى لتجاهلها مخاطبات عديدة بضرورة إحاطة قطعة الأرض بسور لوضع حد "للنفايات التي يطرحها المواطنون أو تلك الوافدة من خارج اللواء" والتي تجهد البلدية في سبيل منعها وإزالتها ووضع حد للتلوث الذي تتسبب به.
وقال رئيس بلدية الرصيفة أسامة حيمور إن فرق البلدية تقوم بجولات دورية لمنع استخدام الأرض كمكب للنفايات ومنع حرقها، كما تقوم بتجريفها بشكل مستمر، غير أن البلدية قادرة على القيام بهذه المهمة وحدها، ما لم تتعاون الأمانة بتسوير الأرض المملوكة لها بشكل كامل، أو على الأقل تسوير المناطق التي يمكن دخول الشاحنات منها، لافتا إلى أن النفايات التي يتم طرحها من خارج اللواء بسبب وقوع الأرض على طريق رئيسي نافذ بين الرصيفة وعمان.
كما نفى مدير الإدارة الملكية لحماية البيئة العميد بسام أبده وقوف بلدية الرصيفة وراء طرح النفايات في الأرض بل "مواطنين" كما أشارت تحقيقات أولية أجراها فريق من الإدارة عقب ملاحظة من "الغد"، نافيا أن تكون الإدارة قد تلقت أي شكوى بهذا الخصوص من جانب مواطنين.
ويقول السكان إن المناطق المحيطة بالأرض وهي الأكثر كثافة في اللواء أضحت بؤرة تلوث ساخنة؛ إذ لم يعد بمقدورهم فتح نوافذهم بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات نهارا، أو بسبب الغازات الناتجة عن إشعال النيران فيها ليلا، إضافة إلى اجتذاب المكب الجديد للحشرات والقوارض والكلاب الضالة، وهي قضية تشكل وحدها مصدر قلق للسكان، موضحين أن قطعة الأرض كانت قبل عقود مساحة خضراء أسهمت بتلطيف وتنقية الأجواء وأعطت منظرا جميلا للمنطقة.
وأوضحوا أنهم تقدموا بشكاوى إلى بلدية الرصيفة لوقف زحف مكب النفايات دون جدوى؛ إذ إن "البلدية كانت تتذرع بأن الأرض من أملاك أمانة عمان الكبرى"، مؤكدين تقدمهم بشكوى بهذا الخصوص إلى الإدارة الملكية لحماية البيئة.
وبين مطالب بمنع تحويل الأرض إلى مكب أو محرقة وإزالة أطنان النفايات التي تراكمت فيها، ومطالب أخرى بجعلها مساحة خضراء كما كانت قبل عقود، تتباين آمال السكان فيما بينهم، إلا أنهم بعد اختلافهم يتفقون على ضرورة قيام الجهات المعنية بوضع بإجراء فوري لوقف "كارثة بيئية حقيقة تهدد المنطقة وسكانها". 
وخلال جولة ميدانية لـ"الغد" التقت خلالها العديد من سكان المناطق المتضررة، قال إمام مسجد أبي بكر الصديق الشيخ جمال أبو خديجة إن مساحة الأرض تبلغ 91 دونما، وهي مملوكة بالأساس لأمانة عمان الكبرى، حيث تم قبل زهاء عشرة أعوام فرز أربعة دونمات منها لتشييد المسجد وتحويل ما تبقى منها إلى مساحة خضراء محاطة بسور، غير أنه في الأعوام القليلة الماضية أزيل السور والأشجار وتحولت أطرافها إلى مكب للنفايات التي تجمعها بلدية الرصيفة من منطقة حطين، مبينا أن "عمال البلدية هم من يقومون أيضا بحرق النفايات مرتين يوميا مساء، وفجرا وأن النيران تبقى مشتعلة أحيانا لأيام". 
وأوضح أن المنطقة تغرق بالنفايات، وفي كل يوم تزداد الأزمة سوءا، دون أن تبادر أي من الجهات المعنية إلى وضع حد لها، وأن رد البلدية الوحيد على مطالب السكان كان بتحميل المسؤولية إلى أمانة عمان باعتبارها مالك الأرض، لافتا إلى أن مشكلة طرح النفايات الصلبة جلبت معها العديد من المشاكل؛ إذ لم يعد بالإمكان تحمل الروائح الكريهة التي تفوح من تخمر النفايات أو الغازات المنبعثة من حرقها، إضافة إلى انتشار القوارض والحشرات والكلاب وحتى الأفاعي " وقد عثرت على إحداها في المسجد".وقال أبو خديجة إن بقاء الأوضاع على ما هي عليه سيزيد من معاناة السكان مع الملوثات، وسيفاقم المشكلات البيئية في اللواء الذي يعاني سكانه البالغ تعدداهم 500 ألف نسمة الأمرين، جراء وجود عدد كبير من الملوثات سيما سيل الزرقاء ومخلفات تعدين الفوسفات المحملة بالمواد المشعة، مطالبا الأمانة بوضع يدها على الأرض وإلزام المتسبب بإزالة الضرر ومنعه من استخدامها مجددا.
ويقول أحد السكان وهو باسل جابر إن تحويل الأرض إلى مكب للنفايات الصلبة وحرقها "جريمة بحق السكان"، غير أنها ورغم خطورتها لا تجد من يتصدى لها ويوقفها أو يفرض رقابة صارمة على الموقع، لافتا إلى انتشار أمراض الجهاز التنفسي بين العديد من سكان المنطقة سيما الأطفال.
وأضاف جابر " لم يعد إغلاق جميع نوافذ البيت صيفا وشتاء حتى لا نتضرر من الروائح الكريهة المنتشرة في الجو مجديا، وفي حال تأخر حل هذه المشكلة فنحن أمام خيارين، إما بيع منازلنا والرحيل عن المنطقة تماما، أو الموت اختناقا بالغازات المنبعثة من حرق أطنان النفايات".
ووفقا لخبراء صحيين فإن تراكم النفايات يؤدي إلى انتشار الأمراض المختلفة، سيما المتعلقة بالجهاز التنفسي، من أبرزها أمراض الحساسية، و الربو، والرشح، وسيلان الأنف، والتهاب العينين، وأمراض أخرى، عدا عن أن عملية احتراق النفايات تنتج غازات سامة، تعمل على تلوث الهواء.
وقال أحد السكان وهو عمر الصعيدي، إن المنطقة تئن تحت وقع التلوث البيئي الجديد المتمثل بمكب نفايات أوجدته البلدية، وأعادت من خلاله معاناة السكان مع "مكب نفايات الرصيفة" الذي كان سبباً لشكاوى أهالي اللواء والقرى المحيطة به، بسبب الروائح الكريهة التي تصدر عنه، وقربه من التجمعات السكنية، وتم إغلاقه مع إنشاء مكب في منطقة الغباوي.
وقال الصعيدي إن السكان مرعوبون بسبب ما يحمله المكب الجديد من مخاطر صحية، كأمراض الجهاز التنفسي وانتشار القوارض والحشرات، وأن العديد منهم يفكرون بالرحيل عن المنطقة إذا تأخر الحل لفترة أطول، مطالبا الجهات المعنية باتخاذ تدابير لإزالة النفايات المتراكمة ومنع البلدية من طرح نفايات جديدة.
ويقول أحد السكان وهو نواف الدعجة إن جولة بسيطة في المناطق التي تحيط بالمكب الجديد، الذي يستقبل أطنان النفايات يوميا، والتي تحولت إلى بؤر ساخنة، تكشف حجم المشكلة التي تزداد يوما بعد يوم، فالروائح الكريهة تنبعث في كل مكان، وسحب الدخان تغطي سماء المدينة، الأمر الذي يزيد من خطورة تأثيره على الوضع البيئي للواء، خاصة مع وجود ملوثات عديدة فيه.
وطالب الدعجة الجهات المعنية بسرعة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإنهاء معاناة سكان هذه المناطق، من جراء تواصل طرح النفايات وحرقها. ويعود مدير الإدارة الملكية لحماية البيئة العميد بسام أبده لإنحاء اللوم على سكان لتسببهم بهذه الأزمة، موضحا أن الإدارة ومنذ أن تلقت ملاحظة "الغد"، قامت بالكشف الأولي على الموقع، حيث ستتعاون مع  أمانة عمان وبلدية الرصيفة والمتصرفية لإيجاد حل لهذه المشكلة.
بدوره، قال مصدر مطلع في مديرية بيئة الزرقاء إن المهندس المختص في المديرية قام بالكشف على الموقع، وتبين له وجود كميات كبيرة من النفايات بالقرب من الأحياء السكنية، مؤكدا انه سيصار الى متابعة القضية مع الشرطة البيئة والبلدية لضمان عدم استخدام المكب؛ إذ إن مديرية البيئة ليست جهة تنفيذية.
من جهتها قالت أمانة عمان على لسان نائب مدير المدينة للمناطق والبيئة المهندس باسم الطراونة إنها ستقوم بإرسال فريق فني للكشف على الموقع، وفي حال تبين أنه من أملاك الأمانة فإنها ستتخذ الإجراءات القانونية الكفيلة بإزالة أي اعتداء عليها ومنع تجدده، لافتا إلى أنها ستتعاون بهذا الصدد مع بلدية الرصيفة والشرطة البيئية. 
ووفق خبراء فإن الأسس العلمية لإنشاء المكاب تلزم إقامتها على منطقة جغرافية خالية من العيوب، وبعيداً عن المناطق المائية، والحقول الطينية والمناطق الحساسة بيئياً، إضافة إلى وجود عدة طبقات للمكب من النوع الصخري أو طبقات من البلاستيك المدعم قدم واحد من الصلصال الطيني على قاع وجدران المكب، غير أن سكان مناطق إسكان الأمير هاشم، والمشيرفة، والفاخورة، وأطراف مخيم حطين، والمنطقة الحرفية والصناعية، باتوا أكثر قلقا من إمكانية تثبيت الموقع كمكب للنفايات، سيما أن ردود الجهات المعنية التي تفاجأت بـ"شكاوى السكان" اكتفت بتقاذف المسؤولية وصرف الوعود.