مكرم الطراونة يكتب: جردة حساب ما بعد كورونا

في هذه الأيام من تاريخ المملكة، مر الوطن بمرحلتين مختلفتين؛ ما قبل انتشار فيروس كورونا، وأثناءه، وهما المرحلتان اللتان أرهقتا الدولة اقتصاديا، وشكلتا خطورة على الأمن الصحي، وأجبرتا الناس على كسر قواعد حياتهم اليومية، وحجر أنفسهم في منازلهم، والرضا بالقليل، كما أثرتا على مؤسسات القطاع الخاص.اضافة اعلان
أما المرحلة الثالثة المنتظرة، فهي ما بعد إعلان الدولة أنها خالية من كورونا؛ حيث تتحول المعركة باتجاه إعادة تصويب الوضع المالي والاقتصادي للبلد، وإعادة عجلة العملية الإنتاجية، وتركيز الأولويات على آلية الوصول إلى الاعتماد الذاتي، وكل ذلك في غاية الأهمية، لكن الذي لا يقل ضرورة عن ذلك يكمن في أنه يجب أن تشهد مراجعات تصل لحد المساءلة والمحاسبة.
قطاعات عديدة أصابها العطب، أو هي كذلك من قبل ولم تتكشف سوى خلال الأزمة وتبعاتها. بعض أصحاب رؤوس المال، نواب، أحزاب سياسية، جامعات خاصة، منظرون في الوطنية، أصحاب فلسفة في النضال والتضحية، معظم أولئك غابوا عن المشهد وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد.
لسنا هنا في خضم التحريض عليهم، لكن من باب العدل أن يطمئن كل مواطن أردني، صبر وقاتل ومنح ثقته لمؤسسات الدولة، والتزم بتعليماتها، وكان يتمتع بالمسؤولية والوعي الكافيين، على أن هذه العينة من الناس والمؤسسات لن تترك من دون حساب، فمن غير المعقول أن يقطف هؤلاء ثمار النجاح في مواجهة أزمة طاحنة وهم لم يطلقوا رصاصة واحدة في سبيل الأردن.
بالتأكيد أن المعركة تسير بخطى ثابتة ولا يضيرها تقاعس هؤلاء وعدم مشاركتهم بها، بيد أن الأردني ينتظر من الدولة إجراء مراجعات شاملة لسياساتها لما بعد أزمة كورونا، وذلك من خلال إعادة النظر في علاقتها مع "العاقين" من أبنائها؛ أفرادا وجماعات، ومؤسسات ممن كبرتهم وتبنتهم، أملا منها بأنها ستجدهم عند الضرورة والحاجة.
على البلد أن يكرم من أكرمه من أصحاب رؤوس المال، وفئات عديدة من المؤسسات ممن لم يتخلوا عنها، ومدوا لها يد العون ماليا ولوجستيا، أما بالنسبة للمتخاذلين الذين نتحدث عنهم فلا بد للدولة أن تمسك بيدها اليمنى قلما، وباليسرى ورقة، وتدون ملاحظاتها بحق هؤلاء، وتترك المسألة للوقت المناسب.
أين مقترحات بعض الاقتصاديين ورجال الأعمال، لخروج الأردن من أزمته المالية، وأين دراساتهم الاستراتيجية لضمان عودة الوضع كما كان قبل أزمة كورونا على أقل تقدير؟ وكيف يرون المملكة بعد شهرين من الآن إذا ما تم التخلص من الوباء. ماذا يفعل هؤلاء الآن؟ فنحن لا نسمع لهم صوتا ولا همسا؟.
أين يختفي النواب؛ حيث لا نسمع لهم قولا، ولا نرى منهم فعلا، ولماذا يحكم الصمت قبضته على أفواههم؟ وأين تنام الأحزاب السياسية في الوقت الراهن. هل تفكر وتخطط؟
بالتأكيد لن يكون هناك إجابة.
على الدولة إعادة ترتيب طريقة اشتباكها مع قواعدها الشعبية بحيث تكون راحتهم وخدمتهم وحياتهم أولوية لا يتقدم عليها شيء، فهم سلاحها الأقوى في هذا الظرف، ومن دون تعاونهم لن تحقق أي منجز يذكر، فهؤلاء الناس هم القابضون على جمر الصبر والفقر والعوز والألم، من أجل أردن آمن لهم ولأبنائهم.
نعم إن صفر إصابة بفيروس كورونا التي سجلت يوم الجمعة، ومن قبله ثبات في متوسط أعداد المصابين المسجلين يوميا، لا يعني أن الدولة وضعت أوزار حربها ضد هذا الوباء، لكن بلا شك الأمر يعكس أن الأردن ينجح في فك شيفرة تفشي هذا الفيروس، ويسير قدما نحو الأمام. الكثير ما يزال ينتظرنا.