مكرم الطراونة يكتب: فليتكفل ذوو الطلبة المقتدرون بأبنائهم

لا تخلو عملية إعادة الدولة للطلبة الأردنيين ومن تقطّعت بهم السبل في الخارج من المخاطرة، فهؤلاء معرضون لخطر الإصابة بوباء كورونا، كما هو حال المجتمع الأردني المعرض أيضا لذلك بعد أكثر من شهر على إغلاق المملكة حدودها مع العالم الخارجي للحد من انتشار الفيروس.
نعلم بالتأكيد أن أُسر هؤلاء الطلبة ينتظرون اليوم عودة أبنائهم بفارغ الصبر، ولن تهدأ نفوسهم إلا حين تنتهي عملية نقلهم إلى بلدهم، لذلك فهؤلاء يستحقون أن نغامر بكل شيء من أجلهم، ومن أجل ضمان أنهم سيبيتون في القريب العاجل في منازلهم، وفي أحضان أهاليهم ووطنهم.
لكن الأمر الغريب، وربما المريب، هو أنه ما إن أعلن وزير الخارجية أيمن الصفدي أول من أمس عن الخطة المتدرجة لإعادة الطلبة، وتأكيده على أن هذه العودة، والإقامة بالحجر لاحقا، لن تكون على حساب الدولة باستثناء من يثبت أنه لا يملك المقدرة المالية على ذلك، حتى بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تضج بالانتقادات، وبمطالبة الدولة بأن تتكفل بمصاريف نقل الجميع، ومصاريف عملية حجرهم!.
هل يمتلك مثل هذا الطرح أي نسبة من الموضوعية والعدالة؟!، السؤال الذي يقفز في البال حال سماع وجهات النظر التي تزخر بها مواقع التواصل اليوم، هو: لماذا لا يتكفل المقتدرون بجميع نفقات عودة أبنائهم الطلبة الذين يدرسون في الخارج؟.
اليوم، ينظم المواطنون والمؤسسات ونشطاء، صناديق عديدة، من أجل التبرع للدولة لكي تستطيع أن تظل قادرة على إدارة شؤون الحياة، خصوصا مع تعطل المؤسسات والإنتاج، حتى أن موظفين عديدين يسهمون بهذا الجهد الوطني، وليس من المعقول أن تدفع الدولة، التي تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية مصاريف مالية نفقة على أشخاص يمكنهم تأمين تذاكر عودة أبنائهم، وإقامتهم في فنادق من فئة خمس نجوم، وربما البعض يستطيع أن يرسل طائرة خاصة لاستعادة ولده.
في ظل الأزمة التي تمر بها البلد، وضيق الحال المالي، وبالتزامن مع تقاعس فئة كبيرة من أصحاب رؤس الأموال عن القيام بواجبهم تجاه الدولة التي اضطرت للجوء إلى استخدام أموال الضمان الاجتماعي التي هي أموال الشعب من أجل أن يستمر المركب، فإنه لا مكان للتعاطف مع المقتدرين في هذا السياق.
الأولوية كانت وستبقى للفقراء، ومن هؤلاء فئة كبيرة يدرس أبناؤهم في الخارج كمنحة جامعية، وبالكاد يتدبرون مصروفهم اليومي في بلاد الغربة، ومنهم من يعمل هناك إلى جانب دراسته في أكثر من مكان حتى يتمكن من توفير السكن والمأكل والمشرب، أو شراء الكتب ومستلزمات العملية الدراسية.
العاطلون عن العمل، والمتضررون من إغلاق البلد، وأولئك الذين كانوا يؤمّنون قوت يومهم يوما بيوم، وعمال المياومة، واليتامى، والفقراء، والقاطنون في القرى ممن لا يملكون ثمن رغيف خبز، هم أولى في إنفاق الدولة عليهم، وحديث البعض عن أن من واجب الدولة أن توفر للجميع نفس رعاية الحجر والتعامل معهم كأسنان المشط، ما هي إلا مزاودات، ليس وقتها أو أوانها.
استخدام صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من أجل إبداء الرأي بدون دراية أو قراءة للأرقام المالية والتحليل والاجتهاد في غير محله، سلوك لا يستقيم، لأن كل فلس يصرف على عودة من لا يحقق اشتراطات الدعم من هؤلاء الطلبة هو بمثابة نزف إضافي من جروح الوطن، وعلى حساب المواطن الأردني الذي سيضطر إلى تحمل زيادة الأعباء الاقتصادية للدولة.
البعض يقول إن تكلفة إنفاق الدولة على عودة جميع الطلبة لن تكون أكثر من ملايين قليلة، وأن هذا الرقم لن يرهق الموازنة. تستطيع هذه الفئة أن تستمر في تسويق مثل هذه المبررات، لكن يغيب عن ذهنها أن المسألة ليست مرتبطة بالتكلفة بقدر ما هي مرتبطة بأحقية إنفاق هذه الأموال، وضرورة أن تكون لمستحقيها وليس لكل من هبّ ودبّ. إننا نتحدث عن العدالة بمفهومها الواسع، والتي لا بد للدولة من أن تتصدى لتحقيقها.

اضافة اعلان