ملامح الاقتصاد الجديد

تساعد قراءة كتاب "الاقتصاد العالمي الجديد" للخبير الاقتصادي الياباني كينشي أومو في عمليات بحث ضرورية ومتواصلة نحتاجها لملاحظة وملاحقة التغيرات الكبيرة في الحياة والاقتصاد، وإذا لم نتمكن من الإحاطة بهذه التحولات فربما نفقد كثيرا من أعمالنا ومواردنا أو يفوتنا قطار الاقتصاد والأعمال الجديدة، فيمكن ملاحظة ماركات عالمية وثقافة أعمال عالمية تنشئ طبقة عالمية متشابهة في الثقافة واللغة والمصطلحات والسلوك أيضا، ووجود بطاقات وبرامج الصرف المؤتمنة حول العالم، وبطاقات الائتمان، وبرنامج موقع الأقمار الصناعية العالمية لتوفير المعلومات للسائقين والمسافرين ورجال الأعمال وتوفير فرص الأمان والتعقب.

اضافة اعلان

وتلعب عملية القيام بأعمال خارج البلاد الهادفة إلى تقليص كلفة الإنتاج من دون أن يؤثر ذلك على جودة المنتج، دورا جديدا ومتناميا في الاقتصاد العالمي الجديد.

ويتم ذلك بطريقتين: نقل مراكز ومواقع العمل أو نقل العمليات الوظيفية إلكترونيا عبر البحار إلى دول وأقاليم أخرى مثل الهند والصين، كما فعلت جنرال إلكتريك وأمازون وسيتي بنك وغيرها من الشركات العالمية العملاقة.

وتزدهر اليوم في الهند شركات تقدم خدماتها إلى ما وراء البحار، وهي خدمات مهنية في البرمجة والمحاسبة والطب بتكاليف أقل منها في الغرب أو اليابان أو الخليج العربي، فتكلفة تدقيق برامج الحاسوب في بريطانيا تصل إلى مائة ألف جنيه، يمكن تحقيقها في الهند بكفاءة مهنية عالية بثلاثين ألف جنيه.

وتزدهر أيضا الأعمال من خلال المنازل، ويمكن الاستفادة من فروق التوقيت لتأمين خدمات متواصلة على مدار الساعة، وتفيد أعمال المنازل أيضا في أعمال إضافية يجري التعاقد بشأنها من دون تفرغ، ويمكن أن تشارك فيها الزوجات وربات المنازل.

ولكن أين تقع الحكومات في هذا السياق الاقتصادي الجديد؟ كانت الحكومات تعتبر نفسها دائما مخزنا للقوى، ولكنها اليوم تفقد كثيرا من قواها، ففي العالم اللامحدود ستكون الحكومة المركزية القوية شيئا من الماضي.

وقد تحاول بعض الحكومات التمسك بوهم قواها غير أنها ستبدو سخيفة نوعا ما، وكلما حاولت استخدام أدواتها التي لم تعد تعمل تبدو أكثر ضعفا وإثارة للشفقة.

فعلى الحكومات والسياسيين طرح مثل هذه الأسئلة على أنفسهم: هل تشجع الحكومات دوما شعبها على التفكير إيجابيا على صعيد التفاعل مع دول العالم الأخرى؟ هل تمنع البيروقراطية المفرطة الحكومات والأقاليم من أخذ المبادرات؟ هل توجد الحوافز الصحيحة في مكانها لتعزيز المبادرات؟

نحتاج إلى نمط جديد من الحاكمية يجب أن يحل ليتفق مع الأنظمة الاقتصادية الجديدة، فقد كان ثراء الدول يقوم على القوة العسكرية والاحتلال، وفي الثورة الصناعية قام الثراء على التكنولوجيا، ثم تشكل نموذج اقتصادي يعتمد على ممارسة التجارة مع دول أخرى.

ولكن الوضع اليوم مختلف، فلم تعد مسألة امتلاك الدولة صناعة أو أسواقا محلية مسألة مهمة وأساسية، فالمهم هو امتلاك يد عاملة مثقفة ومتحمسة على صعيد الصناعة واستعمال الحاسوب وتأمين الخدمات المهنية.

وتعتبر هذه الموارد أكثر أهمية من مناجم المعادن والموارد الطبيعية، وهي شرط أساسي للاستثمار والمشاركة في الاقتصاد العالمي الجديد.

وهذا يحول من وظيفة الحكومة إلى الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص من أجل توليد الازدهار، وليس فقط إنشاء البنى التحتية، فقد قامت مشاريع واسعة النطاق تختص بالبنية التحتية الملتبسة الاستعمال واقتصرت فوائدها على تعزيز المتعهدين المحليين ومجموعات أخرى لها مصالح مميزة.

ولذلك فإن التحول إلى العصر الجديد يتطلب من الحكومات أن تتمتع بالبصيرة لتكوين نظرة بعيدة المدى تملي على كل قطاعات المجتمع كيفية تصرفها لجعل هذه النظرة حقيقة، وتبيان مدى أهميتها بالإضافة إلى إظهار ما تقدمه لهم.

وهذه ليست مهمة سهلة، فنحن نعيش اليوم في عالم غير محدود، وصلتنا بالتكنولوجيا عميقة جدا تجعلنا نعيش في متاهة.

[email protected]