"ملخصات محاورات أفلاطون" كتاب للبدور

غلاف الكتاب - (من المصدر)
غلاف الكتاب - (من المصدر)

عزيزة علي

عمان-  بين أستاذ الفلسفة في الجامعة الأردنية، رئيس قسم الفلسفة د.سلمان البدور، أن غاية سقراط كانت "إثارة الأسئلة وليس الإجابة عنها"، وكان يضع السؤال ليقوم محاوره بتقديم عدد من الإجابات الجاهزة، وبعد النقاش حولها يتبين عدم كفايتها.
وقال البدور "عرف هذا المنهج السقراطي بـ"الديالكتيك"، وهو يهدف إلى بيان عدم الترابط، أو الإشارة إلى مواطن التناقض التي تشتمل عليها العبارات الشائعة بين الناس، التي يتداولونها بدون التفكير بالمشاكل المنطقية المترتبة عليها، وهذا ما كان يفعله أفلاطون في محاوراته على لسان سقراط".
وبين البدور في كتابه "ملخصات محاورات أفلاطون" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات، أنه تناول في هذا الكتاب الملخصات والمحاورات المتعلقة بنظرية المعرفة وارتباطها بالوجود عند أفلاطون.
ويحتوي الكتاب، وهو في "107" صفحات، على عدد من الملخصات لبعض المحاورات الأفلاطونية ومنها: "دفاعية سقراط، إيثوفرون، فيدون، ثياتيتس، ومحاورة بارمنيدس".
وقال المؤلف إن الفلاسفة اليونانيين الأوائل كانوا يبحثون عن أصل الكون، في محاولة لمعرفة الأصل الأول للأشياء جميعا، وكانوا مخلصين لقضيتهم، لكن تأملاتهم وافتراضاتهم المتعددة حول هذا الأصل "الماء والهواء والنار والعناصر الأربعة" أدت إلى نوع من الشك في إمكانية تحصيل معرفة يقينية بذلك الأصل، لقد اعتمد هؤلاء الفلاسفة على الحواس، لينتهي الأمر برأي "هيراقليطس"، أن كل شيء في تغير مستمر، بينما اعتبر "بارمنيدس"، أن الوجود ثابت والحركة والتغير وهم، ليتأكد أن الإدراك الحسي غير موثوق به، كما أن كل نظام كوزمولوجي تم افتراضه استثنى النظم الأخرى، مما أدى إلى عدم الثقة في كل هذه الرؤى التي قدمها أولئك الفلاسفة.
وأوضح البدور أن التحول من النظر في المدرَك "الطبيعة" إلى النظر في المدرِك "الإنسان" ظهر على يد السفسطائيين، الذين اختلفوا عن الفلاسفة اليونانيين الأوائل، فاهتموا بالإنسان والحضارات وعادات البشر، وبذلك تحولوا من العالم الكبير إلى العالم الصغير: "من الكون إلى الإنسان"، واختلف السفسطائيون عن الفلاسفة اليونانيين الأوائل في المنهج، لقد كانوا موسوعيين، غنيي الثقافة راكموا كثيرا من الملاحظات والوقائع، ومن هذه المعرفة المتراكمة بنوا نتائج، بعضها نظري وبعضها عملي، فتوصلوا إلى: "أنه لا يمكن تحصيل معرفة يقينية وأن حاضرة أي أمة وطريقة عيشها يمكن أن يدلا على أصل لغتها، وفي الجانب العملي، كانت رؤيتهم أن المجتمع يمكن أن يكون أكثر كفاءة وفعالية إذا تم تنظيمه".
وتحدث البدور عن مقولة "بروتاغوراس"، "الإنسان مقياس الأشياء"، عنوانا لنظرية في نسبية المعرفة، وأنه يمكن أن يكون هناك أكثر من رأي حول موضوع واحد، وإذا كانت الأمور هي على نحو ما تبدو لك، أو على نحو ما تبدو لي، فإن كل رأي هنا يكون صحيحا، كما كانت رؤية غورجياس بأنه لا شيء موجود، وإذا كان شيء موجودا، فإنه لا يمكن معرفته، إذا أمكن معرفته، فإنه لا يمكن نقل هذه المعرفة للآخرين، وبالتالي يصبح كل رأي هنا خطأ. والنتيجة في حالة هذين الرجلين أن لا حقيقة مطلقة، وبالتالي لا معرفة ممكنة.
وأوضح المؤلف أن سقراط في هذه الأجواء أظهر رؤية مختلفة، بدأ وهو في العشرينيات من عمره بالتحول من التأملات الكوزمولوجية نحو الإنسان نفسه، لأنه بعد مطالعاته للرؤى الفلسفية حول الكون، خلص إلى أن الفلسفة الطبيعية لا تؤدي إلا إلى التشويش والآراء المتضاربة، ولذلك بدأ يبحث في فعل العقل في الكون، وكيفية تنظيمه للأشياء على نحو أفضل، ولم يترك سقراط أثرا مكتوبا، ولذلك كانت هناك مشكلة في تحديد أو تأكيد آراء سقراط الفلسفية، ولكن إذا اعتمدنا رأي ارسطو، فإن هناك أمرين يمكن نسبتهما إلى سقراط؛ الاستقراء والتعريفات الكلية.
وأشار البدور إلى اهتمام سقراط بالتواصل الى المفاهيم الثابتة في مقابل نسبية المعرفة عند السفسطائيين، مشيرا إلى أن المفهوم الكلي عند سقراط يبقى هو نفسه رغم تغير الجزئيات، وهذا ما يجعل التعريف ثابتا، ويضرب أرسطو مثلا تعريف الإنسان بأنه "حيوان ناطق"، بأن هذا التعريف يبقى ثابتا رغم أن الجزئيات تتغير، لا بل إن هذا التعريف يبقى حتى لو لم يبق بشر.
وتحدث المؤلف عن عناية سقراط بالسلوك الأخلاقي؛ حيث رأى أن التعريف الكلي يمكن أن يشكل الأساس الذي يستند إليه في مقابل الرؤية النسبية للسفسطائيين، فقد كان هؤلاء اعتقدوا أن العدالة مثلا تختلف من مدينة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر، ولذلك لا نستطيع أن نقدم تعريفا واحدا لا يتغير للعدالة، أما سقراط فرأى أنه إذا استطعنا أن نتوصل إلى تعريف كلي للعدالة، يعبر عن ماهية العدالة يصلح لكل الناس، فإنه سيكون لدينا شيء نستطيع ان نقيم عليه أحكاما حول الأفعال الفردية وأن نؤسس معايير اخلاقية لكل المدن ولكل المجتمعات.

اضافة اعلان

 [email protected]

azezaali@