ممنوع من النشر؟!

بات ظاهرا وبشكل أوسع من ذي قبل منع النشر في قضايا تظهر في الساحة المحلية، وصدور توجيه من جهات مختلفة لمنع النشر في هذه القضية أو تلك، الأمر الذي يدعونا للسؤال والاستغراب في الوقت عينه عن الأسباب الجوهرية لصدور مثل تلك القرارات.اضافة اعلان
القضية لا تقف عند عدم النشر في قضية بعينها، وإنما ما يسترعي الانتباه هو توسع الموضوع ليشمل عدم النشر قضايا مختلفة بتنا نفتقد فيها الخبر الصحيح، وباتت الإشاعات والأقاويل سيدة الموقف.
قد نتفهم صدور قرار بعدم النشر في قضايا ذات صلة بأمن الوطن وما يتعلق بقواته المسلحة وأجهزته الأمنية، حفاظا على سرية تتعلق بشأنٍ عسكري أو أمني، لكن منظمات معنية بالحريات الصحفية والإعلامية لا ترى في منع النشر أمرا جائزا أو مفهوما أو مبررا، الأمر الذي يخفّض منسوب الحريات الصحفية في المملكة، ويجعلنا نحتل مواقع متدنية في تقارير تلك المنظمات العالمية ومنها منظمة مراسلون بلا حدود، وبيت الحرية، وغيرها من المنظمات العالمية المعنية بهذا الشأن.
يجب أن نعترف بأن أفق تناقل الأخبار والمعلومات بات أوسع، وبات هناك من يجد مجالا للنشر في قضايا منع النشر فيها عبر الفضاء الالكتروني الواسع والذي لا يمكن السيطرة عليه بالكامل، فربما يمكن السيطرة وعدم النشر في الصحف الورقية وبعض المواقع الإخبارية والتلفزيونات والإذاعات، بيد أن تلك السيطرة تقل وقد تنعدم عبر الفضاء الالكتروني  ومواقع التواصل الاجتماعي، وهناك ستكون الإشاعة والمعلومات غير الدقيقة هي سيدة الموقف، في غياب التصريحات الرسمية التي تشفي الغليل وتعبر عن الحقيقة.
اعتقد بأنه لا يجوز ترك قضايانا المختلفة بيد فضاء الكتروني لا يتوخى الدقة، وتركه يتناقل الإشاعات والأخبار حسب أهواء هذا أو ذاك، ومنع الجهات الإعلامية من نقل الصورة الحقيقية وجلاء الموقف في هذه القضية أو تلك، ولذلك فإن الأجدر والأفضل أن يتاح النشر، وان تأخذ الحكومة دورها في وضع الرأي العام والإعلام بما يجري وتزويدهما بالتصريحات في قضايا مختلفة والإجابة عن أسئلتهما أيضا، لأن ذلك من شأنه وقف الإشاعات والأقاويل وقطع الطريق على متناقلي أخبار غير الصحيحة يجري تناقلها وفق وجهة نظر مسربيها في غياب وجهة النظر الحقيقية، فليس المقصود هنا التعليق على قرار منع النشر في قضية معينة، وإنما الهدف التنويه إلى أهمية عدم التوسع في ذلك.
لا نريد أن نكون يوما في قعر جدول ترتيب الدول السالبة للحريات الصحفية، ولا نريد أن يكون مصدر المعلومات لدى مواطننا وسائل التواصل الاجتماعي من "فيسبوك" وغيره، وإنما نطمح بأن نرتقي بحرياتنا الإعلامية والصحفية درجات للأمام، ولذا فإنه يتوجب عدم التوسع في موضوع منع النشر، وقد توسعنا به كثيرا في فترات ماضية، فهذا من شأنه جعلنا في نفس المنطقة التي كنا فيها عبر سنوات، ولن نستطيع مغادرتها طالما بقي موضوع عدم النشر سهلا بهذا الشكل.
نتفهم بعض الأمور الحساسة والدقيقة التي تحيط بقضية ما، وقد نتفهم أهمية الحفاظ على سرية التحقيق في أماكن أخرى، بيد أن ذلك لا يعني تغييب المعلومات بالكامل، وأن يبقى الإعلام والصحفيون الحقيقيون بعيدين عما يرجى وعدم وضع الرأي العام بتفاصيل معينة أولا بأول.
يتوجب أن نقرّ ونعترف ونأخذ بالحسبان أن غياب المعلومة في أمر ما أو قضية منظورة سيجلب معلومات مختلفة ومتناقضة وغير دقيقة، وهو الأمر الذي يجب التصدي له وعدم السماح به، وهذا لا يتم من خلال منع النشر وإنما عبر توسيع قاعدة الشفافية وتزويد الرأي العام بالتفاصيل أولا بأول وبدقة، فذاك سيلجم متناقلي الأقاويل غير الدقيقة، وسنضع حدا لأولئك الذين يريدون تسميم المجتمع وتزويده بأخبار غير صحيحة.