مناهج أخرى .. غير مناهج التربية !

شاهدتُ جزءاً من المؤتمر الصحفي لوزير التربية والتعليم وأنا غير مُصدِّق لما أرى. هل الموضوع هو “مفاصلة” و”مساومة” بين” التربية” و”الناس” على كلمات معينة، فـ”يطبطب” الوزير على المعترضين ويسترضيهم بقوله في أكثر من موقع “ اذا لم تعجبكم هذه الكلمة نغيرها، أو نحذفها في الطبعة الجديدة”، ثم يبتسم طامعاً برضى الناس !اضافة اعلان
هل هذه هي مشكلة المناهج؟ هل تجري قراءة التعديلات بهذه السطحية من قبل المعترضين وتجري معالجتها بهذا النوع من التبسيط؟!
وأن يسترضي الوزير المعترضين بالقول “ ها نحن وضعنا صورة الأقصى. انظروا. ها هي صورة الأقصى في كتاب الصف الرابع”!
أنا لا أفهم حقيقة هذا الضعف والتراخي المفرط من قبل وزارة التربية في التعامل مع اعتراضات البعض على التعديلات في بعض الكتب المدرسية، ولا أفهم أيضاً سطحية تلك التعديلات وهامشيتها.
ولا أفهم كلام الوزير عن أن هذه التعديلات ستوضع قيد التجريب وننظر في نتائجها !! وكأن المناهج كبسولات من المضاد الحيوي ستظهر نتائجها على الطلاب بعد اسبوع على الأكثر!
القصة ليست، في نظري، مناهج وزارة التربية، وكتبها، فكلنا نعرف ان الكتب المدرسية لم تحظ يوماً بعلاقة حميمة مع الطلبة، ولم تكن يوماً بذلك التأثير في تربية الطلاب بقدر ما تلعب مناهج أخرى خارجة عن سيطرة التربية والحكومة دوراً أكبر في تنشئة الجيل، وتلقينه، وتشكيل قناعاته، على رأسها مناهج الأسرة ومناهج المسجد، ومناهج الإعلام، ومناهج المزاج السائد في الشارع وهي الأكثر تأثيراً.
لماذا تشعر “التربية” بالرعب من الشارع؟ ولماذا تنصاع لخطاب تعبوي متطرف يحاول أن يذهب بالدولة الى حيث لا تريد هي الذهاب حقيقة.
ماذا لو استيقظ الشارع على وزير تربية قرر تسمية كتاب “التربية الإسلامية” بـ”التربية الدينية”، ... ثم مَن الذي قرر أن الأردن دولة خلافة اسلامية ليجري تجاهل مسيحيي البلد من المناهج ومن الخطاب القيمي والانساني للدولة. بحيث اعتدنا أن يخرج أي وزير ليخاطب الناس بالقول دائماً “ مجتمعنا وقيمنا الاسلامية”، هل نعني ضمناً في كل مرة نسمع فيها هذا الخطاب بأننا نطرد مسيحيي البلد من جنة القيم التي ننعم بها؟! لماذا لا يتعلم أولادنا أن “الدين المعاملة”، وأن الاخلاق والقيم والمثل والمبادىء ليست قصراً على دين دون آخر، وأنها شرط الفطرة البشرية السليمة بغض النظر عن الدين. ولماذا لا يتعلم الطالب أن المواطنين سواء دون النظر الى دينهم وأن هناك مسيحيين في الأردن يخبئهم المسؤول دائماً خلف ظهره كأنهم مخطئون !
هذا النوع من المناهج هو الذي انتج متطرفي الفيسبوك، وهو الذي أنتج ظلاميين نحاول ان لا نراهم، يتعاملون مع البلد على انها مشروع دولة خلافة، ولا يترددون في الغاء الآخر والاستخفاف به وبدينه وبمواطنته.
المناهج تحتاج الى ثورة وليس الى تغييرات سطحية وشكلية، تحتاج الى عقلية اكثر انفتاحاً من الدفاع عن اسم “ميس”، او تسترضي الشارع بزيادة عدد آيات القرآن، ولا توجد حكومة في العالم تتفاوض وتساوم الناس على جملة هنا وعبارة هناك في كتب الطلاب، .. إلا إن كان هذا فهمنا للديمقراطية !!
المناهج الأخطر التي تجب مراقبتها وتعديلها هي ما يحدث في المساجد، ما يحدث في البيوت، وما يحدث في الشارع، وما يحدث للعقل .. حيث هناك مناهج أخرى موازية هي الأكثر والأخطر تأثيراً. وهي التي تشكل حالة الوعي والوعي السالب لدى الجيل.
مخيف هذا التراجع والخوف الذي يبدو على وجه “التربية”. وكأن الدولة فقدت سيطرتها ولم تعد تستطيع الدفاع عن قراراتها.