منتدى الرواد الكبار يستذكر إبداعات هلسا

بورتريه للأديب غالب هلسا بريشة الزميل احسان حلمي - (الغد)
بورتريه للأديب غالب هلسا بريشة الزميل احسان حلمي - (الغد)

عزيزة علي

عمان- أكد نقاد أن غالب هلسا كان يرسخ إبراز التجربة المعايشة للمؤلف في العمل الفني، فهو يُعدّ من الروائيين الكبار في الوطن العربي، واكتسبت أعماله الإبداعية شهرة تقترن بكبار المبدعين العرب في العصر الحديث، بل يعدّ علامة فارقة في الرواية العربية.اضافة اعلان
وجاء ذلك في الندوة التي اقامها منتدى الرواد الكبار اول من امس بعنون "غالب هلسا مبدعا ومفكرا" شارك فيها كل من د. محمد القواسمة، الناقد زياد ابو لبن وأدارها د.جودي بطاينة.
من جانبه رأى د. محمد عبدالله القواسمة ان الفلسفة الماركسيّة تشكّل عند هلسا المرجعيّة الرئيسيّة في مفهومه للأدب، ودعا الأديب إلى الاستمتاع بالحياة، وتأكيد كل ما هو واقعي وصادق ورفض كلّ دعوة لاستبدال تجربته الحيّة بمخطّطات مملاة من الخارج.
وينطلق هلسا في رؤيته للأدب، بحسب القواسمة من اعتقاده أن النظرية الأدبية ليست ثابتة ولا مقدسة حتّى ولو كان هو نفسه من أطلقها، بل إنّه يعجب من الذين يتمسكون طوال حياتهم بفكرة واحدة. إن المقدّس الوحيد عنده هو الإنسان.
احتل المكان أهمية كبيرة عند هلسا، وفقا للقواسمة، تجلّى ذلك في ترجمته كتاب "باشلار جماليّات المكان"، منوها الى انه كان يجد العلاقة بين ازدهار الأدب أو تخلفه وبين الأيديولوجيا، فمن الآراء التي تثبت من صحتها: "أنّ كلّ أيديولوجية متخلّفة عن العصر ومعادية للإنسان لا بدّ أن يكون لها أثر سلبي على الفن، أي أنّ كلّ أيديولوجيّة تنطلق في حكمها على عصرنا من أفكار أوضاع سابقة، ولا تؤمن بقيمة الإنسان بغض النظر عن الجنس واللون، فمن المحتم أن يكون تأثيرها سلبياً على الفن".
وحول التجربة الأدبيّة، فكان هلسا يؤكد على ابراز هذه التجربة المعايشة في العمل الفني، مشيرا الى ان هلسا يكشف بوضوح عن علاقة الفن بالواقع، ويلح على ضرورة التجربة، يقول:" إنني متحيّز إلى أقصى حدّ لمفهوم الفن كتجربة، وإنني أعتقد أنّ هذا التحيّز يعني اختيار الحرية، كما أعتقد أنّ المفهوم الذي يعتبر الأدب برهاناً على فكرة وتجلياً لها هو مفهوم قمعيّ".
ورأى الناقد زياد أبولبن ان هلسا يُعدّ من الروائيين الكبار في الوطن العربي، وقد تناول النقاد رواياته وقصصه ومسرحياته ومقالاته وترجماته بالدراسة والتحليل، وحظي باهتمام القارئ والدارس والباحث اهتماماً كبيراً، مما أكسب أعماله الإبداعية شهرة تقترن بكبار المبدعين العرب في العصر الحديث، بل يعدّ علامة فارقة في الرواية العربية.
وتحدث ابو لبن عن روايات وقصص هلسا وكيف تناول الكتّاب رواياته وقصصه؟ وما المناهج التي قام عليها هذا النقد؟ وكيف صنّفت رواياته مقارنة بالرواية العربية؟ لافتا الى كتاب د.محمد القواسمة "البنية الزمنية في روايات غالب هلسا من النظرية إلى التطبيق" اقتصرت الدراسة على البنية الزمنية وتتبع منهجاً علمياً خالصاً في بابين، وشملت الدراسة روايات غالب هلسا (الضحك، الخماسين، السؤال، البكاء على الأطلال، ثلاثة وجوه لبغداد، سلطانة، الروائيون).
وأشار ابو لبن الى كتاب د. عيسى العبادي "مضامين الرواية الأردنية 1967-1990"  حيث يتناول رواية "الضحك" تحت باب أزمة المثقف، فانطلق من خلال شخصية بطل الرواية وهو الراوي، بوصفه يمثّل أزمة هؤلاء المثقفين، وتتعمّق الأزمة عندما يلتقي البطل بـ "نادية" الشريك الفكري إلى أن تتحول إلى شريك عاطفي، ويعيشان في الغربة بعيداً عن الوطن.
وتوصل الدارس، وفق أبو لبن إلى ان الرواية تطرح مشكلة المثقف بأشكاله المختلفة، من مثقف منظّر إلى محارب إلى مهزوم خائب إلى المثقف الحزبي، مبينا أن المثقف لا يمكن أن يتصالح مع مجتمع متخلف يحتاج إلى التثوير والتغيير، كما أنه لا يستطيع الخضوع للسلطة المتمثلة بالقمع والمعتقلات والمطاردات والقتل.
ورأى ابو لبن ان هذه النتيجة تمثّلت في شخصيات الرواية فهي رواية تنضوي تحت مفهوم الرواية الواقعية، ولا يختلف التناول في رواية "البكاء على الأطلال" عن رواية الضحك" كثيراً، فالدراسة جاءت في باب "الريف في الرواية الأردنية" لتؤكد أن هذه الرواية واقعية بامتياز من حيث "تناول المفردات الشعبية التي تعطي الرواية هوية الواقعية وتؤكد تجربة الروائي الواقعية" ص309، كما يقول الدارس.
وتحدث أبو لبن عن كتاب "في النقد والتطبيقي" للدكتور عبد الرحمن ياغي، وفيه يتناول رواية "الضحك" من بين عدد كبير من الروايات العربية التي خضعت للدراسة، وقد ربط (ياغي) بين عنوان الرواية ومضمونها ليصل إلى نتيجة أن إيقاعها الخارجي يختلف تماماً عن إيقاعها الداخل، فهي رواية القلق والاضراب المضيّع والرعب في إيقاعها الداخلي على عكس ما نلمسه في إيقاعها/العنوان الخارجي "الضحك"، وتلك النتيجة تبرز من خلال أحداث الرواية.
اما الناقد نزيه أبو نضال فيؤكد في كتابه "التحولات في الرواية العربية"، أن هلسا بطل لجميع رواياته، يقول: "ومن هنا بالضبط يمكن أن نفهم هذا الميل الواضح في إبداعه الروائي، باتجاه العوالم الجوانية للشخصية، التي نجدها دائماً تأخذ شكل سيرة ذاتية لغالب نفسه، كبطل لجميع رواياته، والسيرة هنا ليست سيرته الخارجية المعروفة، بل هي أساس سيرته الجوانية، سواء في عالم اللاوعي أو عالم الطفولة".
وأشار ابو لبن الى دراسة د. سليمان الأزرعي الذي يتحدث عن روايتي هلسا (زنوج وبدو وفلاحون وسلطانة) ليقف في الرواية الأولى على تحولات المجتمع المدني، وفي الثانية على نظرية الهدم والبناء في العمل الروائي باعتبار أن سلطانة تمثل نموذجاً لهذه النظرية، وكل منهما تمثّل قراءة منفصلة عن الأخرى.
عن (الرواية الجديدة في الأردن، الصادر عام 1997)"، فتحدث عن روايتين (زنوج وبدو وفلاحون، وسلطانة) ويقف على تحولات المجتمع المدني، ونظرية الهدم والبناء في العمل الروائي باعتبار أن سلطانة تمثل نموذجاً لهذه النظرية، وكل منهما تمثّل قراءة منفصلة عن الأخرى، وقد نُشرتا في "مجلة عمان".
اما عبدالله رضوان فتناول بحسب ابو لبن في كتابه "الأردن في إبداع غالب هلسا: زنوج وبدو وفلاحون"، وذكر اسم الأردن في عنوان الدراسة وليس المكان، وهذا ما يبرر ما بُنيتْ عليه الدراسة من تناول ميثودولوجيا.
ورأت هيفاء البشير في مستهل الندوة انه من الصعب أن نطل على مجمل تجربة مبدع كبير مثل هلسا، فقد فاض إبداعه في أكثر من مجال، إذ نجده قد توزّع بين الرواية بوصفها منجزه الرئيس، وبين القصة القصيرة، هذا في حقل السرد، أما في مجال الفكر فقد توزع انتاجه أيضاً بين النقد الأدبي والدراسات الفكرية الفلسفية، إضافة لجهده المتميز والكبير في حقل الترجمة، والمقالة الصحفية الإعلامية التحليلية في مجال السياسة، والثقافية النقدية في المجالين الثقافي العام والإبداعي.

[email protected]