منتدى دافوس – البحر الميت

    منتدى البحر الميت كان بمختلف المعايير نجاحا سياسيا واقتصاديا أردنيا، ومجرد عقده لثلاث سنوات متتالية في الأردن وبالنوعية والكيفية التي تم بها يحمل مؤشرات كبيرة. ينظر لهذا الحدث كمكافأة للأردن على سجله المعتدل والمحدث في القضايا الإقليمية وحتى في شأن الإصلاحات المحلية، كما أن هذا الحدث يعكس الرصيد السياسي الدولي المرموق الذي تم بناؤه عبر السنوات.

اضافة اعلان

    أهم ما ميّز ملتقى هذا العام هو درجة العملية الكبيرة والديناميكية الواضحة التي أفضت لمخرجات محددة ومكثفة وقابلة للتحويل لسياسات عملية تنفيذية. يظهر هذا جليا من فحوى جدول الجلسات وعناوينها إضافة لنوعية المشاركين ومديري الجلسات وطريقة النقاش.

    فالتركيز كان على العديد من القضايا، وأهمها التعليم، أما الاهتمام الإقليمي فقد كان بمنطقة الشرق الأوسط، التي لا تزال من أكثر مناطق العالم اضطرابا، وتعاني من عدم استقرار ومن الكثير من الإخفاقات والاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبالرغم من هذه السلبيات إلا أن المنطقة واعدة اقتصاديا ومؤهلة في الزمن المتوسط أن تحقق تقدما اقتصاديا دوليا مشهودا. لكن هذا سيحدث فقط إذا ما استمر نهج الإصلاح الشامل الهيكلي والبيني.

    وعلى الرغم من أهمية هذا الملتقى ودلالاته السياسية والاقتصادية، إلا أن من الخطأ أن نخرجه عن معناه الحقيقي بكونه إطارا للتحاور والتناقش السياسي والاقتصادي بين صناع القرار والمفكرين ورجال الأعمال. فالاعتقاد أن عقد هذا الملتقى هو السبب المباشر للتنمية أو الإصلاح فيه تحميل للحدث أكبر مما يحتمل، ومن الضروري أن نقتنع أن جلب الاستثمارات وتوقيع الاتفاقات لديه محفزاته الأخرى الهامة، والتي لا بد من التركيز عليها بنفس قدر التركيز على استضافة وإنجاح منتدى دافوس.

    صاحب انعقاد الملتقى دعوات لمقاطعته وأخرى لطرح بديل تنافسي له، الأمر الذي يعتبر حقا من حقوق أي مواطن أردني. المدهش أن التبرير المستخدم من بعض من شاركوا في هذا الجهد، كان لان العديد من شعوب العالم بما في ذلك الغربي تقاطع هذا المؤتمر، بل وتتظاهر ضده، وهؤلاء أنفسهم هم الذين غالبا ما يتبنون مواقف تدعو لرفض أي فكرة غير وطنية أو قومية.

    وهذا التبرير غير مفهوم وهو بمثابة الدعوة إلى حالة من الانعزالية غير المفيدة. وكان الأفضل ان يتم طرح أي فكرة منافسة أو مناكفة ضمن أطر الملتقى الاقتصادي نفسه حيث ان عضويته والمشاركة به كانت مفتوحة للجميع وفي هذا إثراء وخير. 

    التعليم تصدر الأولويات كقضية ملحة وشكل الإجماع لدى المشاركين  بإنه القضية التي يجب أن تطرح بسرعة وبعمق لما لها من تأثيرات وانعكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية مباشرة. إن إصلاح التعليم وربطه بحاجات السوق والمجتمع أمر لا يختلف عليه معظم المحللين من حيث المبدأ، ولكن عندما ندخل بالتفاصيل تبدأ الخلافات لذلك؛ إنّ العملية التي ستتبع فتح هذا الملف الإصلاحي هي في غاية الأهمية لخلق حالة من الإجماع على فحوى الإصلاح وأبجدياته، بما في ذلك الاتفاق على حيادية وعدم تسييس أي هيئة ستبحث في هذا الملف، وضرورة الاستعانة بالتجارب الأجنبية المرموقة أمر قد يكون غاية في الأهمية.

    ولا بد في النهاية من الاعتراف أنّ واقعنا التعليمي، الذي نفاخر به، ليس على مستوى الطموح، وهذه المكاشفة هي الخطوة الأولى على طريق إصلاحه.      

استاذ العلوم السياسية بجامعة اليرموك