منجل وشاكوش


المكان: مخيم الوحدات بالقرب من المسجد الكبير بموازاة سوق الخضار.
الزمان: الفترة من 1980-1983.
وقت ذاك كنت فتيا ما بين 12 الى 14 عاما، وأساعد الوالد رحمه الله في بعض أعماله المتواضعة، وكنت أستمع كل جمعة للخطبة التي يلقيها إمام المسجد الذي لا أعرف اسمه، كما كان يتيّسر لي سماع بعض دروسه في أيام اخرى، كان جل الخطبة إن لم يكن كلها عن خطر الشيوعيين والحذر منهم ومقاومتهم ورفضهم باعتبارهم مخلوقات شاذة، بلا دين ولا عقيدة ولا أخلاق!.اضافة اعلان
الهجوم وقت ذاك على ما كان يعرف بـ"الاتحاد السوفيتي" كان كاسحا، فحجم السبّ والشتم كان أعلى من التوقعات، والدعاء بالنصر لما عرف بـ"المجاهدين الافغان"!! يتم على رؤوس الأشهاد، قبل ان تخرج من رحم اولئك "المجاهدين"! تنظيمات القاعدة والنصرة وداعش وغيرها من تنظيمات القتل والارهاب والسبي وجز الرؤوس.
في تلك الفترة، أي في العقد الثامن من القرن الماضي دفعني الفضول الذي حفزه لدي إمام مسجد الوحدات، للبحث عن أولئك القوم الذين يتحدث عنهم الإمام، والوقوف على حقيقتهم، سيّما وأن حجم التشويه الذي كان يمارس بحقهم كان غير منطقي، وكان الفضول يشدني أكثر للوقوف على صدقية ما يقال بحقهم حول تدني الاخلاق لدى اولئك الشيوعيين، وهل صحيح أنهم بلا دين ولا يحرّمون ولا يحلّلون!!.
عملية البحث طالت، إذ علمت أن الكتب من هذا النوع، التي تقدم الشيوعية، ممنوعة، ولا تدخل البلاد، وهذا تركني اكثر فضولا لمعرفة السبب، فلماذا تمنع تلك الكتب فيما يسمح لشاحنات بالتوقف أمام المسجد وتوزيع  كتب مجانا على الناس؟ وإن كان أولئك بلا أخلاق كما يقول الشيخ فلماذا لا يتركون لنا حق الاطلاع على كتبهم، وتركنا نقرر بلا تلقين إن كانوا بلا أخلاق أم لا؟!.
ولان الفضول احيانا مفتاح المعرفة فقد اهتديت الى اشخاص زوّدوني بكتب عن الشيوعيين، الذين كان يمثلهم وقت ذاك الاتحاد السوفيتي، ومن ثم عرفت عن ثورة اكتوبر وعن الشيوعيين وحرب افغانستان، والحرب العالمية الأولى والثانية، ودور ثورة أكتوبر في العام 1917 في كشف وعد بلفور للعالم، وكشف مخططات الدول في تقسيم الوطن العربي عبر اتفاقية سايكس بيكو وغيرها.
وقرأت أيضا عن علاقة الاتحاد السوفيتي بالدول المستضعفة، ودعمه لتلك الدول بالمال والعتاد ومنح ابناء دول العالم الثالث الحق في التعليم في روسيا وبلاد شرقية، وتسليح بعضها لتتمكن من الوقوف في وجه الصهاينة ودول الغرب. استوقفني سؤال غاب عني وقتها وانا استمع لامام مسجد الوحدات، وهو لماذا لا يدعو الإمام على الصهاينة بالويل والثبور وعواقب الأمور؟، ولماذ لم اسمعه في خطبه المتكررة ودروسه شبه اليومية التي كانت تنقل عبر أثير مكبر الصوت في المسجد يذكر الصهاينة بشر، سيما وانهم يحتلون الأرض؟!، ولماذا لم أسمعه يلهج بالدعاء بالنصر للذين يقاتلون الصهاينة في بقاع العالم؟، ولماذا لم يجمع التبرعات لأولئك المقاتلين الذين يذودون عن بيت المقدس، فيما يجمع التبرعات ويطلب من الشباب التوجه للقتال في افغانستان، التي خرّجت قتلة مأجورين، فيما تخرّج من الدول، التي كان يقول عنها إمام المسجد إنهم بلا اخلاق، جيل متعلم من ابناء العالم الثالث، وقتها عرفت أن بوصلة من كنت استمع اليه في مخيم الوحدات مقلوبة ومعوجة.
بطبيعة الحال، فإن صورة الشيخ المذكور لا تنسحب بالضرورة على جميع أئمة المساجد وقت ذاك، ولكن ما دفعني لاستذكار الموقف هو مرور 100 عام على ثورة اكتوبر، وهي الثورة التي قامت نصرة للعمال والفلاحين والكادحين وسعت لتحقيق عدالة اجتماعية وانسانية بلا تدخل في الدين والفكر والمعتقد.