منصات التواصل الاجتماعي "مخزن للأفكار".. فهل تنقلب "ضد" الشخص يوما ما؟

Untitled-1
Untitled-1

مجد جابر

عمان- "ما نكتبه على صفحاتنا يبقى حاضرا معنا وإن مرت سنوات وسنوات"؛ هذا ما تيقن منه ماهر عبد الرحمن (34 عاما)، مبينا أن ذلك في أي قضية كانت وأي مجال كان، ربما يكون ضد الشخص أو في صفه يوما ما.اضافة اعلان
يستذكر ماهر ما كتبه في قضية معينة قبل ما يقارب الخمس سنوات، وحينما جاءت له فرصة عمل جديدة في شركة كبيرة، تم رفض تعيينه وطلبه، وعرف لاحقا أن سبب ذلك ما كتبه عبر صفحته على "فيسبوك"، وهو ما يتعارض مع سياسة الشركة.
ويعتبر ماهر أن ذلك فيه ظلم كبير للشخص، فقد يكون كتب شيئا ما، وتغيرت قناعاته بعد ذلك، وربما يكون كتب في لحظة غضب، أو لسبب ما، لكن كثيرا من الناس "ينبشون في صفحاتنا ونحن عن طيب نية نتجاهل ذلك".
وينصح ماهر الأشخاص بالانتباه لكل ما يكتبونه عبر صفحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم "الاستخفاف" بهذا الأمر، فإن كتب أحدهم شيئا بقضية ما قبل 10 سنوات سيبقى يلاحقه، لذلك ينبغي أخذ الحيطة والحذر.
أحياناً تكون مواقع التواصل الاجتماعي مخزنا للأفكار، وكاشفة للشخصية وسماتها، وطريقة التفكير في مختلف مناحي الحياة، وهو الأمر الذي قد يستخدمه كثيرون في معرفة كيف يفكر الطرف الآخر، وذلك يعود سلبا على المستخدم، فأحيانا أشخاص كثر قد ينسون ما دونوه قبل أعوام، وعند إبدائهم رأيا مختلفا في قضية معاكسة، ينهال عليهم الناس بإعادة نشر ما كتب، مع سيل من الاتهامات.
وعالمياً، ارتفعت أعداد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الأشهر الـ12 الماضية؛ حيث انضم 521 مليون مستخدم جديد حتى نيسان (أبريل) 2021، وهذا يعادل نموا سنويا بنسبة 13,7 في المائة.
وتشير أحدث البيانات إلى أن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم يساوي الآن أكثر من 70 في المائة من سكان العالم المؤهلين.
والمستخدم النموذجي، يزور أكثر من 6 منصات تواصل اجتماعي مختلفة كل شهر، ويقضي ما يقارب من ساعتين ونصف الساعة في المتوسط كل يوم. والأرقام الأخيرة، تشير إلى أن الناس يقضون ما يقارب 15 في المائة من حياتهم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. ويضاف إلى ذلك أن العالم يقضي أكثر من 10 بلايين ساعة في كل يوم باستخدام منصات اجتماعية.
ويذهب الاختصاصي الأسري مفيد سرحان الى أن كثيرا من الأشخاص يحرصون على تدوين أفكارهم ومشاعرهم، وتسجيل تحركاتهم كافة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بكل تفاصيلها ليطلع عليها الآخرون. فيما آخرون يعبرون عن آرائهم في القضايا العامة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، ويبدون مواقفهم الشخصية ويعلقون على آراء الآخرين، وأحيانا يشاركون في حوارات ونقاشات تستمر لأيام.
وهنالك أيضا، من يعبر عن مشاعره تجاه حدث أو موقف عام أو يخص أحد الأشخاص أو العائلات أو المؤسسات. لكن الأسوأ من كل ذلك، من أشخاص لا يفكرون مليا قبل الكتابة، فتكون كتاباتهم ردود أفعال تحركها العاطفة، أو مواقف متسرعة، يعلقون بمواقف صادمة قبل اتضاح الصورة أو تبيان الحقيقة، أو من دون الاطلاع على كامل التفاصيل.
ووفق سرحان، فإن طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي تتيح المجال للجميع، البعض لديه "هوس" في التعليق والكتابة، وفي كل شيء، السياسة، الاجتماع، الاقتصاد، الدين، الثقافة الرياضة، أحوال الطقس، الفضاء.. وغيرها، ويجد من "يناصره" وإبداء "الإعجاب" أو "إعادة النشر"، فيشعره ذلك "بالنشوة" وأنه ذو تأثير ورأي وموضع اهتمام، أو يبحث عن الشهرة وتسجيل المواقف، سواء بالكلمة أو الصورة أو الصوت.
ويلفت سرحان إلى أن الخيارات متعددة ولا تحتاج الى كثير من العناء، فهنالك من يخلطون بين الحقائق والثوابت والأصول والآراء. ويمكن أن يعبر أحدهم عن رأي يخالف ما هو متفق عليه أو الحقائق العلمية والمسلمات الدينية والوطنية والاجتماعية، معتبرا أن ذلك بطولة أو جرأة أو "تفكير خارج الصندوق" على أقل تقدير.
وينوه سرحان إلى أن من هؤلاء من ينزعج إذا انتقده آخرون أو أظهروا خطأ برأيه، معتبرا أنه هو صاحب الحق المطلق في أن يقول أو يكتب ما يريد من دون أن ينتقده أو يعلق عليه أحد. وقد يكتب الشخص رأيا أو موقفا أو تعليقا في وقت ما دون أن يتفاعل معه أحد لأنه شخص غير معروف وليس لديه "معجبون" ويبقى ما دونه محفوظا، وقد يأتي وقت يصبح فيه هذا الشخص معروفا، فيبحث الناس في ما كتب قبل أشهر أو سنوات ليعرفوا شيئا عن هذا الشخص وآرائه ومواقفه، أو محاولة فهم شخصيته.
والأصل، بحسب سرحان، أن ما يدونه الشخص يعبر عن آرائه ومواقفه الحقيقية، وهو نابع من قناعاته المنبثقة عن الفهم والإدراك.
وخلال مسيرة الشخص ومن خلال مجموعة من المواقف والآراء يمكن أن يفهم الآخرون شخصيته، خصوصا من يتصدرون العمل العام ومن هم في مواقع المسؤولية مهما كانت، عليهم أن يكونوا أكثر دقة في التعبير وعدم التسرع في إبداء الرأي والمواقف، لأن هنالك من يرصد مواقفهم ويتابع آراءهم، ومن يتأثر بها.
"ونعمة" مواقع التواصل قد تنقلب إلى "نقمة" إذا لم يحسن الشخص التعامل معها.
وتبقى منصات التواصل الاجتماعي، مخزنا للأفكار والمواقف والآراء التي يسجلها الشخص عبر سنوات، وتكشف شخصيته، وقد يلجأ إليها الآخرون في أي وقت، فتكون "عونا" له داعمة لمواقفه، أو تكون "ضاغطة"، تسبب له الإحراج والضعف، دون أن يستطيع إنكارها أو التخلص منها.
الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، يشير إلى أن الإنسان تتغير أفكاره ومبادئه، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من دونها، فبالتأكيد تتطور شخصيته وتنضج تجاربه ويتعلم منها، وهو الأمر الذي يغير آراءه، مبينا أن عدم التغيير أو التطور في الآراء دليل سلبي على أن الشخص يقف مكانه.
ويشير الى أن الإنسان في الحوار مع شخص آخر قد يغير رأيه، فكيف على مر السنين، لافتا الى أن هناك أشخاصا يتصيدون ويحاولون أن يعاكسوا الآراء السابقة بطريقة سلبية، مبينا أن التغيير يصاحب الإنسان بشكل طبيعي، والإنسان بطبعه متغير ومتطور في حياته بشكل عام، وليس من الصحي الثبات في الأفكار والآراء.
ويعتبر أن الثوابت هي المبادئ والقيم وليس الأفكار والآراء، مشيرا إلى أن أي شخص فكرته تتعرض للصقل والتطور وتتغير الى شكل آخر، وهو أمر طبيعي ولا يمكن اعتباره أمرا سلبيا على الإطلاق.
وتبقى الإشكالية النفسية لدى الأشخاص الذين يتربصون لغيرهم وشغلهم الشاغل الانتقاد من دون أن يقدموا شيئا، مبينا أن هذا نوع من غياب الوعي الثقافي وعدم قدرة الشخص على خلق شيء جديد.