منظومة المواد الغذائية.. كيف نحمي كوكب الأرض؟

Untitled-1
Untitled-1

يورجن فوجيل*

كان أداء منظومة الغذاء العالمي على مدى القرن الماضي رائعا. فقد استطاع المزارعون والمصنعون والتجار ومتاجر بيع التجزئة وكافة العناصر الأخرى في منظومة الغذاء إطعام سكان العالم الذين زاد عددهم على 1.6 مليار نسمة العام 1900 إلى ما يقرب من 7.6 مليار العام 2020 ، وتمكنوا في الوقت نفسه من تخفيض الأسعار الحقيقية للسلع الغذائية. وخلال هذه الفترة، تحسنت الأبعاد الأربعة للأمن الغذائي- من حيث الوفرة، ويسر المنال، والموثوقية، والكفاية الغذائية.اضافة اعلان
تقدر القيمة السوقية لأنظمة الغذاء العالمية بنحو 10 تريليونات دولار سنويا. ومع هذا، فإنها تكبد ما بين ستة تريليونات إلى 12 تريليون دولار سنويا في شكل تكاليف اجتماعية واقتصادية وبيئية خفية. ومن المتوقع أن تزداد التكاليف المرتبطة بانقراض الحيوانات، وسوء التغذية، والتلوث والأمراض المنقولة عبر الأطعمة، وغيرها- باستمرار إذا سارت الأمور كعادتها ونحن نطعم سكان العالم الذين يرتفع عددهم باطراد. بل سيكون التحدي أكبر نظرا للمخاطر التي تتراوح من الآثار المترتبة على التغيرات المناخية، إلى الجوائح الناجمة عن تدهور المنظومة البيئية، والأنظمة الغذائية غير الصحية وغير الآمنة، وزيادة كثافة المناطق الحضرية.
وتمثل قمة الأمم المتحدة حول المنظومات الغذائية التي عقدت هذا الأسبوع لحظة مهمة لتشجيع وتوسيع نطاق المبادرات والحلول التي يمكن أن تحول الأنظمة الغذائية لخدمة العالم. وينبغي أن تتغير الأنظمة الغذائية سريعا وجذريا لكي تغدو أكثر قدرة على التجدد والصمود والشمولية بالتزامن مع زيادة إمدادات الغذاء لملياري شخص آخرين بحلول العام 2050.
وثمة الكثير من الحلول الفنية المعروفة جيدا. وقد أحكم الباحثون لدى المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية وغيرها إتقان أساليب الحد من غاز الميثان المنبعث من مزارع الأرز وأنشطة تربية الماشية، وحبس المزيد من الكربون في التربة من خلال تحسين إدارة الأراضي الزراعية والمراعي. ويمكن أن يوفر تحقيق التكامل بين الأشجار والنباتات في المزارع الأسمدة والأعلاف العضوية، ويحد من الحاجة إلى المضافات الكيماوية، في الوقت الذي يزيد فيه غلة المحصول، ويوفر موئلا للحشرات النافعة ويمتص الكربون. كما يمثل الاستثمار في تحسين الطرق، ومستودعات التخزين المبردة واقتصاد إعادة التدوير مسارات واعدة للحد من فاقد الغذاء وهدره.
بيد أن طريقة تمويل أنظمة الغذاء- من مصادر رأسمال عامة وخاصة- قد تكون هي عامل التغيير الحاسم والنهائي، حيث يشكل التمويل سببا لقصور أنظمة الغذاء وأيضا عنصرا أساسيا في تطويرها.
وفي إطار قمة الأمم المتحدة، شارك البنك الدولي مع المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، وتحالف الغذاء واستخدام الأراضي في إعادة النظر في سبل تمويل الأنظمة الغذائية. وقد حددنا معا ثمانية «متطلبات حتمية لتمويل المواد الغذائية» من شأنها أن تطلق العنان لفرص اقتصادية جديدة تقدر بنحو 4.5 تريليون دولار سنويا. وبرسم خريطة طريق للحلول المحتملة وتركيزها على أطراف فاعلة بعينها في النظام المالي، نأمل في أن تساعد هذه المتطلبات في تسريع وتيرة التحولات الضرورية للبشر ولكوكب الأرض.
إن إحداث تحول في منظومة تمويل المواد الغذائية سيتطلب توجها ممنهجا، يشمل إعادة صياغة أهداف السياسات العامة، ودعم الزراعة والغذاء من أجل التصدي للتحديات الصحية والمناخية. ووفقا لتحليل البنك الدولي للدعم الحكومي في 79 بلدا، تنفق الحكومات نحو 570 مليار دولار سنويا في دعم إنتاج الغذاء- وبشكل أساسي في هيئة دعم للأسعار والمستلزمات، والدفع المباشر للمنتجين. ورغم أن بعض هذه الأموال توجه للبحوث والتطوير وسلامة الغذاء والبرامج البيئية، فإنها تظل قدرا ضئيلا، وثمة مجال لمزيد من التدقيق في توجيه الإنفاق العام من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية. ويتمتع البنك الدولي بسجل حافل في هذا المضمار، ونتطلع إلى مساعدة المزيد من البلدان التي يشتد فيها الطلب على التغيير.
ويتعين على القطاع الخاص أيضا أن يلعب دورا كبيرا في التخفيف من المخاطر البيئية والاجتماعية. على سبيل المثال، يمكن للبنوك أن تعيد توجيه الاستثمار نحو أنشطة الأعمال المستدامة، بينما تستطيع كبرى شركات الأغذية الاستثمار في الأصول الطبيعية- من التربة الصحية، إلى المياه، إلى الملقحات، إلى الظل- المطلوبة لمواصلة إنتاج الغذاء والعمل على منع إزالة الغابات في سلاسل التوريد الخاصة بها. وإجمالا، فإن تغيير هيكل تمويل المواد الغذائية يمكن أن يساعد في إعادة توجيه نحو تريليوني دولار من أموال القطاع الخاص نحو نواتج أكثر صحة.
قد يكون أحد السبل للمضي قدما إبرام عقد عالمي لتمويل المواد الغذائية بين الحكومات والقطاع الخاص، يساعد بمقتضاه التمويل الحكومي في درء المخاطر عن استثمارات القطاع الخاص التي تفي بالمعايير الاجتماعية والبيئية الرفيعة، وتدعم التوصل إلى نواتج أكثر صحة وشمولية وصمودا أمام التغيرات المناخية.
ويمثل التمويل السليم للأنظمة الغذائية مكافأة هائلة. فهو لا يساعد فقط في توفير فرص استثمارية جديدة تقدر بتريليونات الدولارات، بل أيضا يخفف إلى حد كبير من وطأة الأمراض الناجمة عن سوء التغذية. وستساعد أنماط التمويل الغذائي الجديدة في تقليص ارتفاع حرارة الأرض الناجم عن الاحتباس الحراري إلى أقل من 1.5 درجة مئوية من خلال وقف إزالة الغابات وتدهور المنظومات البيئية الغنية بالكربون. وبالمواجهة المباشرة لأسباب الفقر والجوع، سيساعد التمويل الغذائي الأفضل في بناء قدرة الأسر والبلدان على الصمود أمام الصدمات الشديدة.
وثمة آفاق واسعة للتغير الإيجابي، ولا يمكن تجاهل منظومة تمويل المواد الغذائية في مسيرتنا نحو تنمية خضراء وقوية وشاملة.

  • نائب الرئيس للتنمية المستدامة في البنك الدولي.