منع إنتاج قنبلة قذرة

يوكيا أمانو*

فيينا - إن الإرهاب النووي، على حد تعبير الرئيس الأميركي باراك أوباما، هو "الخطر الأعظم الذي يواجهنا على الإطلاق". ولكن، وعلى الرغم من أن قِلة هم الذين قد يختلفون مع هذا التوصيف، فإن العالم لديه الكثير من العمل غير المكتمل للحد من هذا التهديد. فبعد مرور عشر سنوات منذ اتفق زعماء العالم على تعديل اتفاقية توفير الحماية المادية للمواد النووية التاريخية للعام 1987 والتي من شأنها أن تزيد من صعوبة حصول الإرهابيين على المواد النووية، لم تدخل التدابير الجديدة حيز التنفيذ بعد. ولا بد من معالجة الضعف الناتج عنه هذا التأخير على وجه السرعة.اضافة اعلان
في شهر تموز (يوليو) 2005، اتفقت الدول الموقعة على اتفاقية توفير الحماية المادية للمواد النووية على تعديل الاتفاقية بحيث تصبح قادرة على التعامل مع مخاطر الإرهاب بشكل أكثر فعالية. والتدابير الجديدة التي تم إدخالها كفيلة بزيادة صعوبة تسبب الإرهابيين في إطلاق المواد المشعة على نطاق واسع عن طريق مهاجمة محطة لتوليد الطاقة النووية أو تفجير جهاز لنشر الإشعاع -أو ما يُعرَف بالقنبلة القذرة.
ولكن، قبل أن يصبح بالإمكان إدخال التعديل حيز التنفيذ، فإنه يجب التصديق على الاتفاقية من قِبَل ثلثي البلدان المائة والواحد والخمسين الموقعة على الاتفاقية الأصلية. وفي حين تم إحراز تقدم كبير في هذا المجال -في شهر تموز (يوليو) صدقت الولايات المتحدة وإيطاليا وتركيا على الاتفاقية- فإن الأمر ما يزال يحتاج إلى تصديق 14 دولة أخرى.
لا ينبغي لحقيقة عدم حدوث أي هجوم إرهابي كبير يشتمل على مواد نووية أو أي مواد أخرى مشعة أن تحجب عنا خطورة التهديد. فهناك أدلة تشير إلى أن جماعات إرهابية حاولت الحصول على المواد اللازمة لبناء جهاز تفجير نووي خام، أو القنبلة القذرة.
في العام 2011 على سبيل المثال، ضبطت قوات الشرطة في مولدوفا كمية من اليورانيوم عالي التخصيب بحوزة مجموعة من المهربين الذين كانوا يحاولون بيعه. وقد حاول المهربون، الذين أظهروا مستوى مثيراً للقلق من المعرفة التقنية، تجنب اكتشاف اليورانيوم عن طريق بناء حاوية محمية بدروع. وفي هذه الحالة، انتهت القصة إلى نهاية سعيدة. فبفضل الجهود التي تبذلتها مولدوفا، بمساعدة الهيئة الدولية للطاقة الذرية، لتعزيز أمنها النووي، تمكنت من التعرف على المواد ومصادرتها، وتم إلقاء القبض على المهربين.
لا توجد طريقة نستطيع بها أن نعرف ما إذا كانت محاولة المهربين التي تم الكشف عنها في مولدوفا هي محاولة منعزلة، أم أنها مجرد غيض من فيض. ولكن هناك أمر واحد مؤكد: وهو أن كم المواد النووية في العالم آخذ في الازدياد. فمنذ العام 1999، ازدادت الكمية المتاحة من مثل هذه المواد لأغراض سلمية بنسبة 70 % -وهو الاتجاه الذي من المرجح أن يستمر مع نمو استخدام الطاقة النووية. ومن الأهمية بمكان أن يتم اتخاذ تدابير فعّالة لضمان عدم إساءة استخدام هذه المواد أو وقوعها في الأيدي الخطأ، سواء عن غير قصد أو عمداً.
منذ العام 1995، أبلغت البلدان الأعضاء في الهيئة الدولية للطاقة الذرية عن نحو 2800 حادثة تضمنت إفلات مواد مشعة من الرقابة التنظيمية. وعلى الرغم من أن قِلة قليلة من هذه الحوادث كانت تتضمن بعض المواد التي يمكن استخدامها لصنع جهاز تفجير نووي، فإن كمية صغيرة نسبياً من مادة مشعة يمكن الجمع بينها وبين متفجرات تقليدية لصنع قنبلة قذرة. ومثل هذه الأسلحة قادرة على قتل أعداد كبيرة من الناس، وتلويث مساحات شاسعة من المناطق الحضرية، وإحداث حالة من الذعر بين الناس.
لقد تحقق الكثير في مجال الإدارة الآمنة للمواد النووية منذ تسببت الهجمات على الولايات المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2001 في تجدد التركيز على مخاطر الإرهاب. وقد اتخذت العديد من الدول تدابير فعّالة لمنع سرقة أو تخريب أو نقل المواد النووية وغيرها من المواد المشعة بشكل غير قانوني، كما تحسن الأمن في العديد من المنشآت النووية. ولكن هناك الكثير من العمل الذي يتعين علينا أن نقوم به.
كانت الاتفاقية الأصلية تركز فقط على النقل الدولي للمواد النووية، ولم تمتد إلى تغطية حماية المنشآت النووية. وبموجب التعديل الذي تم إقراره قبل عشر سنوات، تلتزم البلدان بحماية المنشآت النووية وأي مواد مشعة مستخدمة أو منقولة محلياً. وهذا التعديل من شأنه أن يوسع مجال التعاون بشأن تحديد مواقع المواد النووية المسروقة أو المهربة واستعادتها، فضلاً عن تنسيق الاستجابة لأي هجوم على منشأة نووية. ومن شأنه أيضاً أن يجعل الاتجار بالمواد النووية جريمة جنائية، وهو يلزم البلدان الموقعة بالتعاون لتحسين الأنظمة الوطنية للحماية المادية والحد من العواقب الناجمة عن عمليات التخريب.
إن حماية المواد النووية ليست قضية تخص البلدان التي تستخدم الطاقة النووية فحسب. فسوف يحاول الإرهابيون والمجرمون استغلال أي ثغرة في النظام الأمني العالمي. وقد تجد أي دولة في أي جزء من العالم نفسها وقد استُخدِمَت كنقطة عبور -تماماً كما قد تصبح أي دولة هدفاً للهجوم.
إن التعاون الدولي الفعّال في هذا الشأن يشكل أهمية بالغة. فالعواقب المترتبة على أي إخفاق أمني كبير قد تكون كارثة تتجاوز الحدود. ويتعين على الدول كافة أن تتعامل بجدية شديدة مع تهديد الإرهاب النووي. ويتمثل السبيل الوحيد الأكثر فعالية لتحقيق هذه الغاية في ضمان دخول تعديل اتفاقية توفير الحماية المادية للمواد النووية حيز التنفيذ، في أقرب وقت ممكن.

*المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
*خاص بـ"الغد"، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت"، 2015.