منهاج لتعليم الأخلاق.. لم لا؟

تعمد كثير من المناهج لدى دول متقدمة في التعليم إلى استدخال الأخلاق بمفهومها المجرد، بعيدا عن الركائز الدينية، أي بما هي أخلاقٌ معومةٌ يستطيع أي مجتمع تبنيها كطريق إنسانية للخير والجمال. اضافة اعلان
منذ أن بدأ التوحيد، جاءت الأديان معززة لمبادئ الخير والجمال، وظلت على الدوام تحض على أن المشتركاتِ الإنسانيةَ هي عوامل تلاقٍ للبشرية ولا يمكن أن تفترق فيها أبدا، فالكذب مرفوض، والسرقة كذلك، والإيذاء والقتل والغش والغبن والظلم كلها مرفوضة بالاستناد إلى هذه المبادئ.
لذلك، جاءت الأديان معززة لهذه الاخلاقيات، وللجوانب الإيجابية من حياة الإنسان السلوكية والمعنوية.
في محاولة تبنيها منهاجا يضم أكبر شريحة من البشرية، حاولت دول عديدة أن تتبنى مفاهيم إنسانية ترصد فيها المشتركات التي تكون قادرة على بناء شراكات حقيقية مع الآخر، لا أن «تفجر» تعارضات معه. فركزت على مبادئ الخير والجمال، وهي بالضرورة مبادئٌ لا يمكن أن تختلف من أمة إلى أمة، أو من شعب إلى شعب، أو من حضارة إلى حضارة.
من هنا، تبدو الدعوة إلى تبني مناهجٍ للأخلاق دعوةٌ تمتلك مبرراتها، خصوصا لدى الصفوف الخمسة الأولى، يتم من خلالها تعليم الطلبة الأردنيين المشتركات الأخلاقية مع الأمم الأخرى، وإفهامهم بأن ثمة التقاءات عديدة بيننا وبينهم، وهي التقاءات تُحدد بموجبها صفات الخير.
في عالم تسوده الكراهيةَ وعدمَ تقبل الآخر، ووضعَ محددات للجنس والدين واللون، لا بد أن نعمل فيه على تعظيم قيم الالتقاء مع الآخر وبناء جبهة عابرة للحدود والأجناس والأديان، لكي نستطيع أن نضمن بناء شراكات حقيقية مع بني جنسنا، أولئك الذين يخالفوننا أو نخالفهم في أي من الجوانب السابقة.
خلال العقدينِ الماضيين ظل مفهوم تقبل الآخر مبدأً من الصعب تحقيقه، خصوصا في ظل مناهجٍ تعلي من الرفض والاختلاف، سواء كانت مناهجَ شرقية أو غربية، لذلك مثّل هذا المبدأ استعصاء حقيقيا، فقد نظر العربي والمسلم إلى الآخر الغربي على أنه عدو قبل كل شيء من خلال استلهام مفهوم الإقصاء، الذي اعتبر المسلم بموجبه أن ثمة نظرية مؤامرة كاملة على وجوده يقودها الغربي بكل ما أوتي من معرفة وقوة. بينما اعتبر الغربي أن المسلم مهددٌ لوجوده ولطريقة عيشه، من خلال تبنيه مبادئ الأفضلية التي تضعه أولا في كل شيء، وبما تقتضيه هذه الأولوية من مبادئ أصيلة لإلغاء الآخر.
ينظر كثيرون إلى أن هذه الضديةَ تُحدد بمفاهيم دينية غير قابلة لأن يتم تجاوزها، وهي في الحقيقة غير ذلك تماما؛ إذ لا يمكن اعتبارها مبادئ دينية، بل هي مفاهيم ثقافية حددت العلاقات بين المكونات الإنسانية وبنت عليها بطريقة صار من الصعب تجاوزها ما لم يتم تفكيكها بطريقة علمية لكي يتم استيعاب الآخر والتصالح معه.
هذا الأمر لا يتم إلا من خلال التعليم وتوجيهه بما يخدم مبادئ بناء الشراكة الإنسانية مع الآخر. هذا الأمر يتم من خلال إعادة الاعتبار إلى الفلسفة والأخلاق كمفهومين أساسيين في الأديان وفي الواقع. من دون ذلك سوف نفشل دائما في أن نلتقي مع أي مكون خارج عن ثقافتنا، وسوف نظل نعزز من فردانيتنا التي ستضعنا دائما أمام تحديات لا ينبغي أن نواجهها أبدا.