منهجية الإحصاءات.. هل تعكس حقيقة المؤشرات الاقتصادية؟

Colorful business 3D graph
Colorful business 3D graph
عبد الرحمن الخوالدة

في ظل ورشة الإصلاح الشامل التي تشهدها المملكة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والإدارية، تبرز الحاجة إلى تطوير منظومة العمل الإحصائي والبياني التي تلعب دورا أساسيا في رفع كفاءة مختلف القطاعات.

وأدرجت خطة تحديث القطاع العام في الهيكل التنظيمي والحوكمة المحدد للعام 2024، توصية بإعادة هيكلة دائرة الإحصاءات العامة، لتصبح مركزا إحصائيا وطنيا تفاعليا لجمع البيانات، ودعم رسم السياسات ووضع السيناريوهات، وصنع القرارات واستشراف المستقبل. وأكد خبراء اقتصاديون، أن التقارير والمؤشرات التي تتولى دائرة الإحصاءات العامة إصدارها، عادة ما يتم استنتاجها وفق منهجيات عالمية متعارف عليها، تعتمد عليها أغلب دول العالم. ودعا هؤلاء الخبراء إلى ضرورة أن يكون هناك ضبط للبيانات، التي تصدرها الجهات المعنية بالمؤشرات للحد من تناقض الأرقام والمؤشرات، إضافة إلى ضرورة مراجعة مدخلات هذه المؤشرات وتحديثها بشكل كامل، علاوة على أهمية استقلالية دائرة الإحصاءات العامة من خلال فصل تبعيتها عن الحكومة، سواء وزارة التخطيط أو غيرها من الوزارات، إضافة إلى أهمية تعديل الإطار القانوني الذي تعمل من خلاله. وقال رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية عمر النبر “إن القائمين على الإحصاءات العامة دائما يشددون على استقلالية عملهم وشفافية منهجياتهم وأدواتهم المستخدمة في قياس مختلف المؤشرات المحلية العامة وبأنها متوافقة مع المعايير الدولية”. وبين أن اللجنة، ومن منطلق دورها الرقابي، طلبت مؤخرا من دائرة الإحصاءات، التقارير التي تناقشها مع البنك الدولي، بهدف التحقق من دقتها وتطابقها مع بعض المؤشرات المعلنة. وكشف النبر أن دائرة الإحصاءات العامة قد أقرت، خلال اجتماعها الأخير مع اللجنة، بوجود خطأ ونقص في المنهجية المتبعة في قياس الناتج الإجمالي المحلي، إذ إن في هذا خطرا حقيقيا يتمثل بعدم إظهار الحجم الحقيقي للاقتصاد الوطني وبعض المؤشرات المرتبطة به، مؤكدا أنه تم طلب تصويب وتعديل المنهجية الخاصة بذلك. ولفت النبر إلى أنه سيكون هناك قانون جديد لتنظيم عمل الإحصاءات العامة، ومن المقرر، وفق رؤية تطوير القطاع العام، أن يتم إقراره قبل نهاية العام الحالي، داعيا إلى ضرورة أن يوسع القانون من تشاركيتها مع مختلف المؤسسات الاقتصادية، مما يكسب مؤشرات الأداء التي يتم رصدها الدقة والشفافية. ويذكر أن مبادرات البرنامج التنفيدي لخطة تحديث القطاع العام 2022-2025، تسعى إلى إقرار قانون جديد وعصري لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، يعزز مفهوم التخطيط الاستراتيجي وإدارة مؤشرات الأداء. وأكد الخبير الاقتصادي حسام عايش، أن التقارير التي تصدر عن دائرة الإحصاءات العامة والمؤشرات التي تعرضها يكون قد تم استنتاجها وفق منهجيات عالمية متعارف عليها تعتمد عليها أغلب دول العالم، ولكن يصعب تحديد إن كانت هذه المنهجيات صحيحة أم لا، موضحا أن هناك مدارس فيما يتعلق بكيفية توظيف البيانات والمعلومات والمعادلات المتعلقة بالوصول الى مختلف المؤشرات كمؤشر التضخم والفقر والناتج المحلي الاجمالي. وبين عايش أن الكثير من المؤشرات الإحصائية والبيانات ذات الصلة بالاقتصاد ومؤشرات الأداء الاقتصادي والمؤشرات الاجتماعية، قد يكون الهدف منها، في بعض الأحيان، خدمة التوجهات الحكومية أكثر من أنها تهدف إلى إطلاع الرأي العام على الصورة الحقيقية لهذه المؤشرات على أرض الواقع، ولذلك فهي تمنحنا أحيانا فكرة عما يحدث، وفي أحيان أخرى تمنحنا تبريرا لنتائجها التي تعتمد بطبيعة الحال على المدخلات، لافتا إلى أن المدخلات أحيانا لا تكون محدثة أو لا تعكس الوضع الحقيقي على الأرض أو تعطي ثقلا أو وزنا لمناطق الأطراف على حساب المركز، وبالتالي تخلق نوعا من ضبط هذه المؤشرات أو زيادتها أو تقليلها. وأوضح عايش، أن الدول المتقدمة تعتمد الرقم الإحصائي باعتباره أحد أهم المؤشرات، والمؤشر الأهم فيما يتعلق بتحديد الاتجاهات، ومن ثم قراءة المتغيرات بالنسبة لهذا الرقم الإحصائي، وعليه ما يتم عادة بناء القرارات الاقتصادية سواء كانت مالية أو نقدية أو اجتماعية أو تخطيط، مفصلا أن عدم استقرار المدخلات أو الإبقاء على المدخلات نفسها، رغم أن تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية لا يؤدي الى النتائج الحقيقية التي تبنى عليها الخطط والبرامج سواء تعلق ذلك بمعدل التضخم أو معدلات الفقر والبطالة أو مؤشرات نفقات المستهلك أو النمو السكاني وغيره؛ حيث إن هذا ما يفسر أحيانا شعور الناس، مثلا، بوطأة ارتفاع الأسعار، وبالتالي ارتفاع معدل التضخم عندما يذهبون مباشرة الى السوق بشكل يفوق ما هو معلن عنه في المؤشرات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة مثلا. ودعا الجهات المعنية التي تستفيد من هذه البيانات، لضرورة أن تراجع مدخلاتها وأن تتحقق من مدى الجدية في بياناتها، حتى لا تكون هذه المؤشرات في واد ومتخذ القرار والقارئ والباحث في واد آخر فيما يتعلق في تحليلاتهم واستنتاجاتهم، علاوة على أهمية أن يكون هناك ضبط للبيانات، التي تصدرها الجهات المعنية بالمؤشرات للحد من تناقض الأرقام والمؤشرات من جهة إلى أخرى، إضافة إلى ضرورة مراجعة مدخلات هذه المؤشرات وتحديثها بشكل كامل. إلى ذلك، أكد الخبير الاقتصادي زيان زوانة، أن منهجية عمل دائرة الإحصاءات العامة تستوجب الحيادية والمهنية، فالمعلومات والنسب والأرقام والمؤشرات المختلفة التي تقدمها تعتمد المنظمات والمؤسسات الدولية كافة، بما فيها مؤسسات التصنيف الائتماني الدولي التي تبني تقييماتها على هذه المؤشرات، وكذلك المؤسسات المالية الدولية، كالصندوق الدولي الذي يرتبط معه الأردن باتفاقيات وبرامج منذ أكثر من ثلاثين عاما، ولذلك فإن الصدقية الفعلية لهذه الدائرة وكل رقم يصدر عنها ضرورة، ملحة وهذا ما نفترضه. وطالب زوانة بضرورة استقلالية الدائرة من خلال فصل تبعيتها عن الحكومة سواء وزارة التخطيط أو غيرها من الوزارات، إضافة إلى أهمية تعديل الإطار القانوني الذي تعمل من خلاله، لتكون دائرة مستقلة ومحكومة بالمهنية والمنهجية المتبعة لأفضل الممارسات العالمية المعروفة، ما ينعكس إيجابا على المصالح الأردنية، إحصائيا واقتصاديا وسياسيا، إلى جانب ضرورة عدم تأخير الإعلان عن المعلومات أرقاما ودراسات ومنهجيات، إذ تبرز أرقام نسب الفقر نموذجا سلبيا لطريقة تفكير الحكومات وطريقة تسيرها لعمل الدائرة، بما قد ينعكس سلبا على الداخل والخارج. ويشار إلى أن دائرة الإحصاءات العامة قد تقدمت بمقدار 13 درجة في مؤشر نشر البيانات المفتوحة؛ حيث ارتفعت درجة الأردن لتصل إلى 66 في العام الماضي، مقابل 53 في العام 2020، ليتقدم بذلك ترتيب الأردن عالمياً في مجال نشر البيانات المفتوحة من المركز 82 عالميا في العام 2020، ليصل إلى المركز 37 في العام 2022. ويذكر أن هذا التقييم ينفذ مرة كل سنتين، ويشمل تقييم المؤشرات كافة التي تنشرها الدول في المواضيع المختلفة، ويصدر التقرير عن منظمة مراقبة البيانات المفتوحة الدولية التي تعد مرجعاً لقياس أداء الأجهزة الإحصائية الرسمية في العالم.

اقرأ المزيد : 

اضافة اعلان