من أسمائه تعالى: الشكور

د. علي جمعة*

قال تعالى‏: "إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ" (الشورى، الآية 23). وقال عز وجل‏: "وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ" (التغابن، الآية 17). وهو من الشكر الذي يعني‏:‏ تصور النعمة وإظهارها. ويضاده الكفر، وهو: نسيان النعمة وسترها. ويدل أصله على الزيادة؛ إذ يقال: شكير الشجرة لما نبت في أصلها من القضبان الصغار، وشكرت الأرض إذا كثر نباتها. اضافة اعلان
كما أن الشكور مبالغة من الشاكر، وقد ورد في الكتاب العزيز أنه اسم لله تعالى أيضا، وذلك في موضعين، منهما قوله تعالى: "فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ" (البقرة، الآية 158). ومعناه في حق الله تعالى: أنه سبحانه المثني على المصطفين من عباده، أو الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل؛ فيقبل اليسير من الطاعات، ويعطي الكثير من الدرجات.
ويجب على العبد أن يعتقد أنه لا شكور وكذلك لا شاكر في الحقيقة إلا الله تعالى؛ فهو الذي يعطيه مع استغنائه سبحانه عنه. ولأن زياداته في المجازاة غير محصورة ولا محدودة، فإن نعيم الجنة لا آخر له، والعجب من الغافلين أنهم ينكرونه مع افتقارهم إليه!
وقد تحقق باسم الله تعالى الشكور الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه حتى وصفهم الله تعالى بهذا الاسم الكريم، إذ قال تعالى عن نبيه نوح عليه السلام: "إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا" (الإسراء، الآية 3)، وقال في حق خليله إبراهيم عليه السلام: "شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ" (النحل، الآية 121).
لذا، يجب على العبد أن يجتهد في طاعة ربه سبحانه، وفي شكره تعالى على ما أنعم عليه من نعم كثيرة منهمرة لا تحصى؛ قال تعالى: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا" (النحل، الآية 18). فإذا فعل ذلك، كان مقتديا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم متحققا بسنته؛ فعن المغيرة بن شعبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى حتى انتفخت قدماه. فقيل له: أتكلف هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: "أفلا أكون عبدا شكورا" (متفق عليه).
ولقد وعد الله عباده بجزيل العطاء إذا ما شكروه على نعمائه في مواطن كثيرة، منها قوله تعالى: "وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ" (آل عمران، الآية 145)، وقوله تعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" (إبراهيم، الآية 7). كما أوعد من يكفر بنعمته ولم يشكره عليها بعذاب شديد، إذ ختم تعالى الآية السابقة بقوله تعالى: "وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (إبراهيم، الآية 7).
والمرء إذا أراد أن يتخلق بهذا الاسم الكريم عليه أن يشكر كل من أسدى إليه معروفا، ويحمد صنيعه ويكافئه على قدر طاقته، خاصة الوالدين بعد الله تعالى، إذ هما وصية الله تعالى للإنسان في قوله تعالى: "أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" (لقمان، الآية 14). وكذلك يشكر من الناس من أسدى إليه معروفا، فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استعاذكم بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا الله له حتى تروا أن قد كافأتموه" (صحيح ابن حبان/ 3408). وقال صلى الله عليه وسلم: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله. والتحدث بنعمة الله شكر، وتركه كفر، والجماعة رحمة" (شعب الإيمان/ 8698).
ومن سنة السلف الصالح أن يكون الشكر من جنس النعمة، وفي ذلك يقول أبو عبدالله عمرو المكي: رأيت العلماء بهذا الشأن يرتبون الشكر في أحوال العبادة؛ فيلزمون كلأه لحال شكرا من جنس حالهم. ولا أعرف له معنى إلا أن الذي يجب على الشاكر أن يشكر الله من جنس النعمة ما كانت؛ فإن كانت نعمة من جهة الدنيا بذل لله منها شكرا عليها، وإن كانت من جهة الدين عمل لله زيادة في ذلك العمل شكرا لله على إنعامه عليه بذلك (شعب الإيمان/ 4248).
رزقنا الله نعمة الأمن والألفة وشكرهما ليزيد لنا فيهما، ويغير بهما أحوالنا على الوجه الذي يرضيه.
والشكر على ثلاث صور، ذكرها السري السقطي ( ت: 251 هـ) في قوله: الشكر على ثلاثة أوجه: شكر اللسان، وشكر البدن، وشكر القلب. فشكر القلب: أن تعلم أن النعم كلها من الله عز وجل. وشكر البدن: أن لا تستعمل جارحة من جوارحك إلا في طاعته بعد أن عافاك الله. وشكر اللسان: دوام الحمد عليه (شعب الإيمان 6/312). والإنسان بين حالين لا ثالث لهما؛ فهو إما شاكر لربه ذاكر لنعمائه عليه، وإما كافر بربه غافل عن عطاياه له؛ قال تعالى: "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا" (الإنسان، الآية 3). وصنف الشاكرين في الناس قليل؛ قال تعالى: "وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ" (سبأ، الآية 13)، وقال تعالى في مواضع كثيرة: "وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ" (البقرة، الآية 243).

*مفتي الديار المصرية