من أيلول إلى أيلول

 

انطوى العام الأول من عمر الأزمة المالية العالمية، وما فتئت الاقتصادات العالمية تتخبط في بحرها وأمواجها العاتية أملا في الخروج منها، وفعلا مرت الدول بحالات مد وجزر وخطة هنا وأخرى هناك، وجربت كل وصفة ممكنة للتعافي.

اضافة اعلان

تعاطي الدول مع الأزمة كان متباينا، وتفسيرات الفشل والنجاح في حلها غير متفق عليها؛ فالبعض يرى أن ضخامة ما حدث خلق حالة من التخبط وعدم التركيز ما شتت الجهود وجعل الخطط غير نافعة.

وآخرون يرون أن الأزمة أثبتت فشل النظريات الاقتصادية الكلاسيكية، حينما لم تتمكن الأسواق من إدارة دفتها وتصحيح نفسها كما كانت تدعي النظريات.

ما مر بالعالم خلال الاثني عشر شهرا الماضية لا ينسى وبدأ بأزمة الرهن العقاري وانهيار مؤسسات مالية عريقة، مرورا بأزمة صناعة السيارات، وصولا إلى تزايد معدلات البطالة وتراجع قدرة الدول على توليد فرص العمل، ودخول الاقتصادات الكبرى بحالة الركود الاقتصادي، وصولا إلى أنباء متضاربة عن الانتعاش الاقتصادي.

ورغم الاختلاف حول تقدير آثار الأزمة إلا أن العامل المشترك بين دول كثيرة كان باعترافها بتأثير الأزمة على اقتصاداتها ووضع خطط إنقاذ يبدأ الحديث عنها ولا ينتهي.

محليا، مرت حالة الاعتراف بتأثير الأزمة بتطورات كبيرة، فمن إنكار لذلك إلى حديث خجول عن خطط إنقاذ تم التراجع عنها في نهاية الأمر من دون أن ترى النور، إلى اعتراف بتأثير الأزمة على الاقتصاد الوطني على استحياء.

بيد أن الأرقام والنتائج الاقتصادية اضطرت البعض إلى الاعتراف قسرا بالأزمة ونتائجها لا سيما وان النتائج الاقتصادية دفعت البعض مكرهين إلى التخلي عن تفاؤلهم الزائد وغير المبرر حيال انعكاسات الأزمة الايجابية على الأردن وأهله.

أهم واخطر هذه التداعيات هو تفاقم عجز الموازنة الذي يرجح مسؤولون بلوغه نحو 1.1 بليون دينار، وارتفاع قيمة الدين العام، فحتى شهر أيار (مايو) الماضي بلغ حجم الدين العام ما قيمته 9.7 بليون دينار، يتركز معظمه في جانب الدين الداخلي ويصل مقداره 6.23 بليون دينار ودين خارجي تبلغ قيمته 3.54 بليون دينار.

هذه المؤشرات المقلقة جعلت الأزمة المالية تحتل مكاناً فريداً بين الأزمات المالية التي واجهها الأردن على مدى العقود الماضية؛ حيث أنها تعيد إلى الذاكرة أزمة العام  1989/1990 ونتائجها المدمرة التي طالت بنتائجها سائر قطاعات البلاد الاقتصادية والاجتماعية.

أوجه التشابه بين أزمة 2008/ 2009 وأزمة 1989/1990 كثيرة رغم وجود فوارق كبيرة أهمها وجود احتياطيات من العملات الأجنبية تصل إلى 9.4 بليون دولار، بيد أن الأمر المشترك والخطر هو احتمالية العودة إلى برامج التصحيح الاقتصادي والمالي في ظل صندوق النقد الدولي بعد انقضاء 5 سنوات على تخرج الاقتصاد الوطني منها.

من أيلول 2008 إلى أيلول 2009، اختلفت أمور كثيرة وجرى في النهر ماء كثير، والاثنا عشر شهرا الماضية قدمت أدلة دامغة على التردد والتخبط الحكومي في التعاطي مع الأزمة، وليس في ذلك شذوذ، فهذا حال الحكومات منذ عقود.