من الأحلام إلى الطائرات من دون طيار: من هو باراك أوباما الحقيقي؟

باكستانيون أمام نعوش ضحايا حرب أوباما بالطائرات من دون طيار  -(أرشيفية)
باكستانيون أمام نعوش ضحايا حرب أوباما بالطائرات من دون طيار -(أرشيفية)

بانكاج ميشرا - (الغارديان) 

ترجمة: عبد الرحمن الحسينياضافة اعلان
باراك أوباما، وفق مجلة فورين بوليسي "أصبح جورج دبليو. بوش آخر". وبينما يتسلح بـ"قائمة قتل"، يستضيف الحائز على جائزة نوبل للسلام "اجتماعات إرهاب" أيام الثلاثاء في البيت الأبيض لبحث أهداف هجمات الطائرات من دون طيار في باكستان وفي خمسة بلدان أخرى على الاقل. وكانت احدث هذه الهجمات قد أفضت إلى مقتل 17 شخصا بالقرب من الحدود مع أفغانستان يوم كتابة هذا الموضوع.
وعلى عكس بوش الأكثر تثاقلاً، والذي اشتهر بازدراء التجديدات، نرى أوباما يطبق، بشكل روتيني، تدريبه في القانون. ويرجح كثيراً أن يكون العديدون من بين "المتشددين المشكوك فيهم" والذين قتلوا بهجمات الطائرات من دون طيار في الأيام الثلاثة الاخيرة في شمال غرب باكستان، من الأبرياء. وتتحدث التقارير التي جمعتها منظمات غير حكومية ووسائل الاعلام الباكستانية عن الهجمات السابقة، عن "أضرار جانبية" لحقت بالمئات، بالاضافة إلى تعميق مشاعر الغضب والعداء تجاه الولايات المتحدة. ومهما يكن الحال، فإنه لا يتم في بيروقراطية أوباما المنيعة الإقرار علناً بهجمات الطائرات من دون طيار. وإذا توجب الإقرار بها، فانه يجري إنكار وقوع وفيات بين المدنيين من الأساس، ويتم تصنيف القتلى من الراشدين على أنهم "مقاتلون".
وكان أوباما نفسه قد وقع على تنفيذ إحدى العمليات، مع علمه بأنها ستفضي أيضاً إلى مقتل افراد عائلة أبرياء. كما أضفى الطابع القانوني على إعدام أميركيين من دون محاكمة، وتمديد مراقبتهم السرية والمحافظة على برنامج تسليم السجناء لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (السي آي إيه)، ونكث بتعهده بإغلاق سجن خليج غوانتنامو، ولجم بقسوة مطلقي صفارات الإنذار والتحذيرات.
ولم تتم فقط إخافة كورنيل ويست، المفكر الأسود البارز الداعم أكثر ما يكون لأوباما، وإنما تم إرهاب موظفي رئاسة بوش الإمبريالية نفسها، مثل مدير (سي آي إيه) السابق مايكل هايدن. وربما حان الوقت الآن للسؤال مرة اخرى: من هو باراك أوباما؟ وكيف تبدو باكستان في وجهة نظره العالية؟ ويبدو أن السؤال الاول قد سوي على نحو سريع جداً فيما يعود، بشكل ضخم، إلى القوة الادبية لخطابات وكتابات أوباما. وقد تعزز كتاب مذكراته "أحلام من أبي"، بدراما الذي ابتكر نفسه وصعد من اللامكان -المكابدة العاطفية والشك في الذات والاعتدال، من النوع الذي دربنا الادب الغربي، من كتابات ستيندال إلى نايبول، على إقرانه بفكر وروح نقيين. ولا غرابة في أن يكون عرض أوباما الحذر لنفسه قد أغوى بعض الكتاب الادبيين المرموقين بعقد مقارنات بينه وبين جيمس بولدوين.
ولاحقاً، عقدت السيرة الذاتية لأوباما والتي نشرت بعد أن اصبح رئيساً، صورته كشخص متوافر على هويات متنوعة المصادر (كينيا واندونيسيا وهاواي وهارفارد) وتظهر السيرة الذاتية الجديدة التي وضعها ديفيد مالدانيس أن اقرب اصدقاء الطالب اللامع في الجامعة في هاواي كانوا من الباكستانيين، وأنه كان يحمل معه طول الوقت نسخة من كتاب رالف ايسون "الرجل الخفي".
لكن أوباما ايضا بدأ مبكرا، كما ذكرت إحدى صديقاته في مفكراتها، في "الاندفاع بقوة ونشاط"  و"الإفصاح عن الأعباء والصور القديمة". وكان ذات مرة أن سأل صديقا باكستانيا مشدوها قليلا: "هل تعتقد بأنني ساصبح رئيسا للولايات المتحدة الأميركية؟" ثم شهد هذا الصديق أن أوباما "كان ينأى بنفسه ببطء، وإنما بحذر، عن الباكستانيين كخطوة ضرورية في تأسيس هويته السياسية".
ويكتب مارانيس: "لسنوات بدا أوباما وانه يشاركهم مواقفهم كخارجين متطورين، ينظرون إلى الدوائر السياسية من منظور دولي. ولكن، وبغية الوصول إلى المكان الذي اراده.. كان عليه أن يتغير". ويستذكر الصديق الباكستاني لأوباما، فيقول: "لقد كان التحول الأول الذي شاهدته يقدم عليه هو النظر إلى نفسه على أنه أميركي بطريقة أساسية، وبقدر أكبر بكثير".
وفي ثقافة سياسية يمينية غير قابلة للإصلاح، وجد أوباما نفسه مضطرا للظهور بشكل أكثر قسوة من معارضيه البيض. وخلال مناظراته الرئاسية في العام 2008 مع جون ماكين، أخاف أوباما العديدين منا بتهديداته بتوسيع الحرب من أفغانستان إلى باكستان. وكان الأكثر إقلاقاً هو ادعاؤه بأنه الناشر لفكر هنري كيسنجر، الذي كان قد شارك ريتشارد نيكسون في تدمير كمبوديا، ممهدا الطريق امام بول بوت، بينما كان ما يزال يدمر فيتنام.
لا يمكن القول أن أوباما لم يهيئنا لقتله المسرف في باكستان، كما أنه من الصحيح أيضاً أن العمليات الحربية بواسطة الطائرات من دون طيار تجسد في الحقيقة ذات الأمراض النفسية -الازدراء العنصري، والشك، والايمان الاعمى بالتكنولوجيا وخرافة أعداد الجثث- والتي قوضت الولايات المتحدة في فيتنام.
وكان البيت الابيض قد درج من قبل على نسج المؤامرات يوميا للتأثير في وقوع أحداث في زاوية مهمة غير مغطاة من العالم. وخلال حملة القصف الطويلة التي سميت "الرعد المتدحرج" اختار الرئيس ليندون جونسون بنفسه اهدافا في الهند الصينية، معتقدا بأن "جرعات قوة محتسبة بحذر تستطيع جلب الردود المرغوبة التي يمكن توقعها من هانوي".
لكن "القوة" بطبيعة الحال، كما أشار جيمس بولدوين، خلال آخر هجوم يائس على الهند الصينية "لا تكشف للضحية عن قوة خصمها، بل هي تكشف على العكس من ذلك عن الضعف، بل وحتى فزع خصمها، وذلك الكشف يجعل الضحية تستثمر في الصبر".
وقد توجب إخلاء آخر الجنود الأميركيين من فيتنام من على سطح السفارة الأميركية في سايغون. وربما يكون هذا نفس مصير المهمة الغربية في أفغانستان. ومن الواضح أن طالبان لن يُقضى عليها أو تحمل على الاستسلام. ولعل باكستان الضعيفة، حيث يقوم أوباما برشوة الحكام والاستئساد عليهم لحملهم على الخنوع، هي المكان الاسهل لاستعراض قوة النار الأميركية. وبطرق لم يتمكن أصدقاؤه الباكستانيون في الجامعة من استشرافها، يحمل بلدهم راهنا عبء التحقق من رجولة أوباما فوق الأميركية، خاصة في وقت الانتخابات.
كان أوباما سريعا في الاعراب عن اسفه لبولندا في الاسبوع الماضي عن قوله "معسكرات الموت البولندية" بدلا من القول "معسكرات الموت في بولندا"، لكنه يرفض الاعتذار عن الضربات الجوية الأميركية التي قتلت 24 جنديا باكستانيا في تشرين الثاني (نوفمبر) في العام الماضي، وقد أجبر الغضب الجماهيري العارم حكومة الباكستان على إغلاق طرق إمدادات الناتو إلى أفغانستان، ومن المرجح أن يثير أي تلميح عن استخدام الحزم حول موضوع السيادة الحساس بعض متطرفي البلد الأشداء في باكستان. وهكذا، نجد أن الاحتمالات القليلة للاستقرار السياسي في بلد ممزق أصبحت مرهونة حالياً لعقوبات أوباما في فترة ما قبل الانتخابات.
من المؤكد أن رحلة أوباما السياسية والشخصية أصبحت تولد الآن مقارنات أدبية أقل سمواً. وبعد مرور اربعة اعوام تقريباً على ارتقائه إلى البيت الأبيض، والذي تلقى إطراء منتشياً، فإننا نرى أن أوباما يشبه بالدوين بشكل أقل كثيرا مما يشبه كيبلينغ وغيره من أبناء الامبراطورية غير الاكيدين الذين استبدلوا، كما تقول اشيش ناندي في كتابها "العدو الودود"، تماهيهم المبكر مع الضعفاء ليحل محله "بحث غير منته عن الذكورة والمنزلة". وقد رأى هؤلاء الرجال ضحاياهم وأبناء جلدتهم على حد سواء "كأطفال منخدعين يجب أن يكونوا متأثرين بإحساس قوي بالذكورة الواضحة". والذين قمعوا ذواتهم الجمعية "لصالح هوية إمبريالية مفروضة -غير موثوقة- وقاتلة في فخامتها".
وطبقا لبوب وودوورد، فقد قال بوش في اشهره الاخيرة في الرئاسة: "إننا نقتلهم.. اننا نقتلهم". والآن ثمة رجل آخر يجلس في البيت الابيض وهو يراجع قوائم القتل الخاصة به، ويتآمر من أجل إعادة انتخابه،  بعد أن كشف أصلاً عن أقسى مخادع سياسي يشهده زماننا.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:
: From  dreams to drones
?who is the real Barack Obama