من الإسلام السياسي إلى المجتمعي

جماعة الإخوان المسلمين في الأردن مقدمة على تحولات كبرى وجذرية. ولا أدري إن كان "الإخوان" يدركون ذلك، ويبدو أنهم لم يكتشفوا بعد حجم وطبيعة القرار الحكومي بالموافقة على إعادة تسجيل الجماعة؛ والحال أنها خطوة ناعمة بالغة الذكاء.. لقد انتهت أسطورة "الإخوان" تقريبا.اضافة اعلان
"الإخوان الجدد"، إن صحت العبارة، حتى لو نجحوا، فإنهم سيكونون مختلفين اختلافا جذريا؛ فهم جماعة مجتمعية لا تنشئ ولاء خاصا بها، ولا تقاليد وطقوسا وتنظيما وتجمعات وبيعة وسمعاً وطاعة.. سوف تكون جماعة مفتوحة علنية، موجهة إلى المجتمع، وسوف تفقد ذلك التأثير السحري الطاغي على أعضائها ومؤيديها، ولا تملك فقها خاصا بها ولا روابط أخوية خاصة بها.. لا تملك سوى دعوة عامة للتأثير على الدولة والمجتمع والأفراد، بالكلمة.
كانت قوة الجماعة في طبيعتها المغلقة السرية، وطقوسها وتقاليدها الخاصة بها، وفي تضامن الأعضاء وأخوّتهم وتماسكهم، والشعور بأنهم أمة من دون الناس. وهذا ما لا يمكن أو يصعب تحقيقه في جماعات مجتمعية مفتوحة وعلنية. وهو ما ينطبق أيضاً على المنظمات اليسارية والقومية؛ فالواقع أن "الإخوان" والشيوعيين كانوا أقرب في عملهم وأسلوبهم إلى "الأخويات".
هل سيتحول الإخوان "السابقون" إلى جماعة سرية؟ هذا هو الردّ المباشر المتوقع. لكن ليس متوقعا أن تنجح الجماعة في عمل سري، إلا إذا غضّت السلطة الطرف عنها، وتظاهرت بعدم اكتشافها. فالتحول من جماعة علنية إلى سرية يحتاج إلى عدة سنوات، تختفي في أثنائها أو تنسحب الشخصيات المعروفة والمعلنة؛ كما أن الجماعة لا تملك خبرات تنظيمية في العمل السري، فهي لم تعش من قبل في بيئة ملاحقة وعمل سري.
يستحيل أن تستطيع جماعةٌ العمل بالسر في الأردن؛ فالطبيعة الاجتماعية والجغرافية للأردن تحول دون نجاح التجمع السري، بدليل أن ذلك لم ينجح طوال تاريخ الأردن الحديث، وكانت تكتشف دائما جميع التجمعات السرية بمختلف اتجاهاتها وطبيعتها وأهدافها. وعلى سبيل المثال، لم يستطع العنف التسلل إلى الأردن إلا من خلال مجموعات جاءت من الخارج.
هناك مجال، بالطبع، للعمل السياسي من خلال حزب جبهة العمل الإسلامي. لكن قوة الجماعة وتأثيرها ليسا مستمدين من العمل السياسي الحزبي، وإن كان الحزب سيحمل كثيرا من البرامج العلنية والجماهيرية. ويمكن أيضا أن يقبل "الإخوان" الاندماج في الجماعة الجديدة، ويعود الصراع والانقسام من جديد؛ ولا بأس في ذلك ما دامت الجماعة تعمل بوضوح وعلانية، وإن حدث ذلك فسوف تجري إدارته وتنظيمه وفق قواعد يمكن الالتزام بها، كما يجري في النقابات على سبيل المثال. وسوف يكون لمؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية القدرة على التدخل والمراقبة، أو يمكن الرجوع إليها لفض الخلافات حسب القوانين المنظمة للعمل العام والتطوعي، وبالطبع سوف يظل مجال ما للتجاوزات والاستدراج.