من الإسلام السياسي إلى متدينين يشاركون سياسيا

يسير إسلاميو حزب جبهة العمل الإسلامي بتسارع ولهفة في إعادة تشكيل أنفسهم باتجاه متدينين ومحافظين يشاركون في الحياة السياسية والعامة، بل ويظهرون استعدادا للتعاون مع السلطة السياسية في جميع المسائل والقضايا التي كانت سببا للخلاف والمعارضة والمقاطعة والمفاصلة، ولا بأس في ذلك على أي حال، وبالطبع فليس سرّا أن اتجاهات "الإسلام السياسي" جميعها ساهمت السلطات السياسية على الدوام في تصميمها وتوجيهها؛ ما يدعو إلى الاستنتاج أن التطرف الديني السائد إنما صنع على عين الحكومات بل واصطنعته لنفسها.اضافة اعلان
لكن جماعات الإسلام السياسي بدأت تواجه بعد الربيع العربي تحدياً كبيراً وجديدا يدفع بها إلى خيارين: إعادة تشكيل نفسها على نحو يخلو من "الإسلامية"، لكن باتجاه متدينين أو محافظين يشاركون في العمل السياسي، أو الحظر والانسحاب من الحياة السياسية والتحول إلى جماعات تأثيرية تعمل في الفضاء غير السياسي بمعنى المشاركة السياسية والعامة من خلال الانتخابات العامة أو العمل السياسي المباشر، ويمكن ملاحظة الاتجاه إلى الخيار الأول في حالتي تونس والمغرب (ومن قبلهما تركيا) إذ أعادت جماعتا النهضة التونسية والعدالة المغربية تشكيل نفسيهما على هيئة جماعات سياسية علمانية متدينة أو محافظة.
لقد طورت الجماعات الإسلامية السياسية نفسها منذ الثمانينيات باتجاه المشاركة السياسية والقبول باللعبة الديمقراطية، وكان هذا بطبيعة الحال تحولاً مصحوباً بتصدعات وانقسامات في اتجاهات عدة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبدأت مكونات الإسلام السياسي بالتمايز بوضوح، بل ودخلت بين بعضها في حالة من العداء وصلت إلى العنف، في الجزائر على سبيل المثال انقسمت الجماعة الواحدة بين جماعات عنيفة بالغة القسوة (الجبهة الإسلامية والجماعات المتطرفة) وجماعات متحالفة مع النظام السياسي وتشارك فيه (مجتمع السلم بقيادة محفوظ نحناح)، وأخرى اتخذت موقفاً وسطاً وإن التزمت السلم والديمقراطية.
وما تزال تفاعلات الإسلام السياسي تتصاعد وتمضي في اتجاهات لم تستقر بعد، وقد يكون مبكراً تقديرها أو الإحاطة بها، وقد كان للعلمانية دور كبير في دفع الإسلاميين نحو تبني مواقف أكثر علمانية، إلى درجة أن حزب العدالة والتنمية الذي تشكل بعد سلسلة من التحولات التي أدارها نجم الدين أربكان لم يعد حزبا إسلاميا، إنما هو كما يصفه الباحث جيهان توغال إعادة تجذير للمحافظية التركية، أو هو مزيج من التنمية والديمقراطية والقومية التركية.
وفي المغرب يمكن ملاحظة بعض التشابهات مع الحالة التركية، فقد تشكل ونما الإسلام السياسي في المغرب في ظل الحرب الباردة، فقد دعمته الدولة كمحاولة لمواجهة اليسار العلماني، وظهرت حركة الشبيبة الإسلامية بقيادة عبدالكريم مطيع، وهي حركة إسلامية قطبية (نسبة لأفكار سيد قطب) لكنها تحولت إلى جماعة معادية للنظام السياسي المغربي، وانشق عن الحركة تيار إصلاحي بقيادة عبدالإله بن كيران متجهاً نحو السياسات الحزبية المشروعة، وأنشئ حزب العدالة والتنمية في مسار مختلف يجعله صالحاً للعمل السياسي العلني، ثم نجح الحزب في الحصول على أكبر نسبة في الانتخابات العامة ومن ثم تشكيل الحكومة، ورسمياً لا يعتبر حزب العدالة والتنمية نفسه حزباً دينياً ذا مرجعية إسلامية، لكنه جزء من التيار الإسلامي. ويجد سامي زمني أن حزب العدالة والتنمية المغربي تجاوز فكرة الدولة الإسلامية ليسعى بدلاً من ذلك إلى نظام اجتماعي عادل يحترم القيم الإسلامية، ويحترم الحزب بهذه العملية حقوق الناس واختياراتهم بدلاً من التأكيد المجرد على التزاماتهم.
وعودة إلى مبتدأ المقال، إذ يتشكل سؤال هل يمضي الإسلاميون الأردنيون في طريق نظرائهم المغاربة؟ الحال أنه ليس للدولة الأردنية تصور فكري سياسي لنفسها ومكوناتها وموقع المتدينين/ الإسلاميين فيها، ولذلك فإن الإسلاميين يمضون تائهين وراء السلطة التائهة.