من ذيبان إلى البادية الشمالية.. جريمة تهدد أمن الدولة

 

عندما تذكر "ذيبان" تقفز مباشرة للذاكرة صورة الحاج مصبح البواريد، رحمه الله، عندما دعانا صديقنا إبراهيم إلى بيتهم أواخر الثمانينيات. تنوعت الصورة بين البدوي الشهم الذي يقدم الزاد وبين المثقف والمسيَس. فالحاج يرتدي نظارة قراءة ولديه مكتبة في البيت وليس فقط شياها يولم بها.

اضافة اعلان

تلك الصورة المشرقة للناس الطيبين الذين يشدون الرحال طلبا للعلم، في السلط  وعمان وطولكرم.. أين هي من الصورة المرعبة التي نقلتها الغد من ذيبان والبادية الشمالية استهدافا للمعلمين والمدارس؟ سيخرج علينا عبقري ويطالب بإرسال سرية درك إلى كل مدرسة!

ما حصل جريمة بحقنا جميعا. تستدعي المراجعة الجدية لواقعنا التعليمي العام؛ فالمعلم والطالب الاثنان ضحية لنظام تعليمي فاشل. فمن يمارس العنف ضد معلمه وضد مدرسته سيمارسه قطعا ضد أهله ومجتمعه، وضد (كلمة السرالتي تثير الاهتمام) أمن الدولة!

واقع المدارس الحكومية لا يخفى على أحد. في الاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية ونشر قبل شهرين تبين أن 76 في المائة من طلاب الثانوية العامة تلقوا دروسا خصوصية. أي أنهم استغنوا عن النظام التعليمي العام لفشله.

 في الخبر أن الأهالي في ذيبان حاصروا المعلمين في غرفة من غرف المدرسة ورشقوهم بالحجارة، وفي البادية الشمالية رشقت المدرسة أيضا بالحجارة احتجاجا على نقل مدير مدرسة كان "مسيطرا"! هل يوجد مشهد أبشع من الرجم؟

سيتبارى مسؤولون حكوميون وأمنيون في استعراض الأرقام التي تثبت مدى تراجع حالات العنف ضد المعلمين مقارنة بسنوات سابقة. وسيندس بينهم أكاديمي طامح بمقعد وزاري في التعديل المقبل ليثبت أن ما يجري طبيعي في سياق "التحولات الكبرى" التي ستنقلنا إلى مصاف الدول الاسكندنافية. وسيبادر إلى عمل "بربوزل" للحصول على تمويل مشترك بين اليو أس أيد ووزارة التربية لدراسة الظاهرة!

نصيحتي إلى أهلنا في ذيبان والبادية الشمالية، ألا ينتظروا تدخل الدولة، فهي لن تتدخل إلا "أمنيا" وستعتقل المتسببين وستشجع "المجتمع المدني" على المبادرة بجاهات وعطوات وإنهاء الإشكال بأقل خسائر. وسيحب الطالب على رأس معلمه ويا دار ما دخلك شر.

 لماذا تتحرك الحكومة في سبيل التعليم العام ولا يوجد مسؤول يضع ابنه في مدرسة حكومية؟ لماذا تتحرك ولدينا قطاع خاص يقوم بالمهمة على أكمل وجه في مدارس يكلف الطالب فيها بسنة ما يكلفه الطالب الحكومي من المهد إلى اللحد؟

ليتداعى العقلاء فيكم ويفكروا بحلول من المجتمع المحلي، ولو بإعادة المعلمين والمديرين المتقاعدين إلى العمل تطوعا.

ليست المشكلة الكبرى في "التعليم" بقدر ما هي في "التربية"؛ فطالب اليوم الذي يرجم معلمه ماذا سيفعل عندما يصبح معلما في الغد أو شرطيا أو ممرضا أو أي مهنة أخرى أو انضم إلى جيش العاطلين عن العمل؟

لا نحتاج للدولة حتى نحافظ على القيم، والقيم تكتسب بقوة الجاذبية قبل أن تفرض بقوة القانون. ولا يمكن تقنين كل القيم. عندما كان مصبح البواريد رحمه الله في مطلع القرن الماضي طالبا في ذيبان كان حضور الدولة أقل وكان التعليم أقل وكان المال أقل.. لكن القيم كانت أغنى.     

[email protected]