من رواية "الركبان"

"عملية بناء بيوت الطين تخلق بعض الخلافات بين اللاجئين أحيانا، بسبب استهلاك من يقومون على بناء البيت حصصهم من مياه الشرب، حيث تعتبر مشكلة المياه من الأمور الأكثر تعقيدا في المخيم، خاصة أن كميات المياه المنقولة من آبار ارتوازية من منطقة الرويشد إلى الركبان لا تكفي احتياجات اللاجئين اليومية".اضافة اعلان
وقال رئيس مجلس القبائل والعشائر السورية علي المذود الجاسم لـ"الغد": "إن الطقس القاسي وهبوب الرياح الشديدة، والغبار الكثيف واقتراب فصل الشتاء، يزيد من معاناة اللاجئين في المخيم".
وسيلة التنقل الوحيدة هي "الأحصنة" والعربات. ومهنة "العربجي" انتشرت بين اللاجئين كمصدر للترزّق وأكل العيش.
المخيم الذي تسكنه أغلبية من الأطفال والنساء، مهدّد بالأوبئة والأمراض لعدم وجود "مكبّات للنفايات" وأماكن تجميع لها.
تلك هي صور من تقرير إخباري للزميل خلدون بني خالد (نُشر يوم الأحد الماضي في "الغد")، عن كارثة بجوارنا اسمها "مخيّم الركبان"، وكأنّه ليس تقريراً صحفياً، بل يبدو مشهداً من رواية فانتازية تتحدث عن عودة البشر في القرن الواحد والعشرين إلى عصور قديمة، لبناء بيوت طينية من التراب والماء اتقاءً -قدر الإمكان- لحرّ الصيف وبرد الشتاء؛ فالرياح الشديدة تقتلع الخيام. لكنّ الماء شحيح والحصص قليلة، ما يؤدي إلى "صراع" داخل "المجموع" الموجود على تلك البقعة الصحراوية النائية.
بالرغم من أنّ اللغة صحفية وصفية، وبعضها تصريحات لمسؤولين عن المخيّم، إلا أنّ هول الصدمة لدى القارئ يخيّل إليه أنّه يقرأ رواية أدبية عن مجتمع متخيّل! كيف يمكن أن نصف الحال اليوم في هذا المخيّم الذي يعجّ بـ75 ألف لاجئ سوري، والذي بدأ بالتشكّل منذ عامين تقريباً، وأخذت الأعداد تزداد، حتى وصلت إلى هذا الرقم الكبير؟ وبجواره مخيم "الحدلات" الذي يضم آلافا آخرين من اللاجئين الأشقاء السوريين.
على الصعيد الإنساني والأخلاقي، فإنّ العالم يتجاهل هؤلاء اللاجئين، ويترك الأمر في عهدة منظمات أممية بموارد محدودة، وبما لا يمنحهم حتى الحدّ الأدنى من الحياة. وعلى الصعيد الاجتماعي-الثقافي، نحن أمام وباء أخطر من الوباء الإنساني ينمو بجوارنا، هو جيل من المنسيين المحطّمين، الذين ذاقوا ويلات الحرب الأهلية ومعاني الحياة البدائية. وإذا ما استمرت الحال لمدّة أطول، فإنّ هؤلاء "المنسيين" لن يكونوا قبيلة قادمة من الخيال العلمي للروائي المصري ياسين أحمد سعيد (مؤلف رواية "المنسيون")، بل هم جيراننا وأشقاؤنا السوريون، الذين نسيهم العرب والعالم، أو بعبارة أدّق تخلّوا عنهم وتركوهم لوحشية الصحراء والحياة البدائية!
ما حدث للسوريين في خمسة أعوام فقط، لم تفعله بهم ولا بغيرهم قرونٌ من الأهوال والنوائب. وإذا نقلنا البصر من الركبان إلى حلب الشرقية، فإن ما يحدث فيها أبعد من الخيال العلمي؛ قصف للمستشفيات والأطفال وتدمير للبيوت على رؤوس الناس، ونفاق دولي وغربي وتقارير باردة سمجة من المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، وعنجهية من الروس والممثل البائس للنظام السوري هناك، بشار الجعفري!
قبل ذلك في حمص، والجوع والتجويع والحصار في غوطة دمشق لعام كامل، ولاجئون بالملايين في الزعتري وعلى الحدود التركية وفي كردستان، لا يملكون الحدّ الأدنى لشروط الحياة، وعائلات تهاجر هرباً من الموت إلى الموت مع أطفالهم الصغار، وآلاف يقطعون الطرق بين الدول وفي الغابات طلباً للجوء إنساني في أوروبا!
ما يحدث للسوريين منذ خمسة أعوام فقط، ليس مادة لروايات إنسانية مؤثرة فحسب، بل قد يتجاوز في أهواله الخيال الدرامي الخصب!