من سيجهز على "الإخوان"؟!

"تنفّس" تصريحات رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، في المؤتمر الصحفي أول من أمس، الحملة الإعلامية غير العقلانية ولا الواقعية، ضد جماعة الإخوان المسلمين؛ إذ أكّد بأنّ التفكير في "حلّ جماعة الإخوان المسلمين" ليس وارداً ولا مطروحاً، بجدّية، في دوائر القرار، بالرغم من إشارته إلى جملة مما اعتبرها "استفزازات" من الجماعة للدولة!اضافة اعلان
كلام الرئيس، وإن بدا مطمئناً، لا ينفي أنّ هناك اتجاهاً يمينياً في الدولة كلّما "دقّ الكوز في الجرّة" يدفع دوماً باتجاه الأجندة المتشددة ضد الجماعة، ويلوّح بالحلّ ويسرّب ذلك إلى الإعلام. لكنّ مثل هذا "الخيار" لا يمثل حلا منطقياً ولا سياسياً، كما يدرك أصحاب القرار، في نهاية اليوم، ولم يتم التفكير فيه جديّاً خلال السنوات الماضية، حتى بعدما تمّ حظر جماعة الإخوان في مصر، واعتبرتها دول عربية حليفة للأردن جماعةً إرهابية.
في السياق نفسه، نجد هناك محاولات رسمية خاطئة لربط إضراب المعلّمين بأجندة جماعة الإخوان المسلمين، وقولبته بهذا الاتجاه، بل وهناك من المسؤولين من يؤمن فعلاً بهذه الدعاية غير الصحيحة والظالمة للمعلمين أنفسهم ولمطالبهم وحقوقهم، كأيّ فئة مهنية مظلومة. فالأصل أن يتم التعامل مع إدارة النقابة بوصفهم معلّمين، لا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، وعدم تجيير القضية باتجاهات غير صحيحة، فمجلس النقابة هو، في نهاية اليوم، إفراز لانتخابات داخلية ديمقراطية، وهو الذي يمثّل المعلمين، بالرغم من أنّ هنالك تحفظات كبيرة من نسبة معتبرة من السياسيين والإعلاميين والمثقفين المساندين للنقابة، على طريقة إدارة مطالبهم واستسهال اللجوء إلى الإضراب.
إذن، أحسب أنّ الجماعة لا تواجه خطراً محدقاً بالحل أو الاستهداف المباشر في الأردن. لكنّ مصدر الخطر الحقيقي والجوهري ينبع من داخل الجماعة نفسها، وتحديداً من حالة الانشقاق والانقسام الداخلي غير المسبوقة، ليس فقط عبر  الموقف من مبادرة زمزم (الذي من الواضح أنّه لم ينته بتقرير لجنة الحكماء)، بل أفقياً وعمودياً، وهو شرخ متنام خطر، يتخذ أبعاداً متعددة، اجتماعياً وسياسياً وفكرياً.
الجماعة تواجه أزمة بنيوية كبيرة، تتمثّل في عدم القدرة على التطوير والإبداع والخروج من العقلية التقليدية، ولا الاستفادة من دروس التجربة المصرية، سواء في فصل الدعوي عن السياسي، أو تطوير خطابها السياسي والإعلامي الإصلاحي، فعلى النقيض من ذلك يتمسك التيار التنظيمي بالقيادة، ويعزّز حضوره، بينما يتراجع وينزوي التيار الإصلاحي البراغماتي، ويخسر حزب جبهة العمل الإسلامي يوماً بعد يوم النخبة السياسية العقلانية الواقعية.
بعيداً، مرّة أخرى، عن الحملة الإعلامية الموجّهة بعد مهرجان الجماعة لنصرة غزة في طبربور؛ فإنّ أصدقاء الجماعة والمتعاطفين معها، أو حتى المراقبين المحايدين، يصابون بالحيرة الشديدة في التقاط الرسائل الصادرة سواء من خطاب المراقب العام أو حتى الحركات الاستعراضية الساذجة، التي تمّ تقديمها!
الأكثر حيرة، أيضاً، هو هذا النقد الناعم لما يقوم به تنظيم "داعش" من فظائع في العراق وسورية، ما يناقض برنامج الجماعة ومنهجها الإصلاحي المعروف، فيما يقوم أبو محمد المقدسي، شيخ السلفية الجهادية، بنقد قاسٍ وحادّ لداعش وأعماله، بينما كانت فرصة الجماعة التاريخية والفكرية تتمثل في ربط ما يقوم به "داعش" بالواقع السلطوي العربي وغياب الإسلام المعتدل وخطورة إقصائه والتذكير بالاختلافات الجوهرية بين منهجها ومنهج ذلك التنظيم الدموي، المأساوي!
خلاصة الأمر؛ تحتاج الجماعة إلى عملية "نقد ذاتي" عميقة جديّة، وإلاّ فإنّ الإجهاز على الجماعة أو حلّها لن يتم بأيدي الخصوم، بل الأبناء الحريصين عليها جداً، وربما المتعصبين لمشروعها وتنظيمها!