من سيكسب الحرب الباردة الجديدة؟

الحرب العالمية الباردة الثانية، برؤية رسام موسكو تايمز - (أرشيفية)
الحرب العالمية الباردة الثانية، برؤية رسام موسكو تايمز - (أرشيفية)

جورج بوفت -

(موسكو تايمز) 31/3/2015

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

يبدو أن قيام حرب باردة جديدة بين روسيا والغرب هي أمر محتم لا مفر منه، حتى ولو أن الصراع في أوكرانيا ما يزال "متجمداً" في شكله الحالي حتى هذا الصيف على الأقل. وقد أصبح واضحاً منذ عام مضى، مع ضم روسيا شبه جزيرة القرم وابتداء الحرب في أوكرانيا الشرقية، أن علاقات روسيا مع أوروبا -وخصوصاً مع الولايات المتحدة- لن تبقى على حالها الذي كانت عليه سابقاً.اضافة اعلان
الآن، حان موعد السؤال عن الشكل الذي ستتخذه هذه المواجهة الجديدة، إيديولوجياً ومؤسساتياً.
كل أشكال تفاعل روسيا مع الغرب، والتي تطورت بعد الحرب الباردة الأولى -مثل المشاركة في السلام مع "الناتو" والمشاركة العملية مع الاتحاد الأوروبي– أصبحت الآن طي النسيان. وحتى لو عادت روسيا، على سبيل المثال، إلى الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي في أواخر هذا العام، فإنها ستواجه انتقادات ومحاضرات لا نهاية لها عن كيفية التصرف.
لأن تلك المنظمات تستند إلى مبادئ معينة، فإن العضوية فيها ستعني شيئاً لروسيا طالما كانت منخرطة في حوار حول "القيم الأوروبية المشتركة". أما الآن، وقد أوضحت موسكو أكثر أنها لم تعد تشارك في تلك القيم، فلماذا تتجشم عبء الحفاظ على مكان آخر لتتشاحن فيه مع الغرب؟ وتوفر العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فرصة وافرة لذلك.
بالإضافة إلى ذلك الشيء المترسب من الماضي، أصبح السؤال الأكثر إلحاحاً يتصل بالشكل الذي ستتخذه هذه المواجهة عند المستوى المؤسسي. وأيضاً، كيف يمكن للمجتمع العالمي أن يضفي طابع المؤسسية على عملية "التحكيم" لحل تلك المواضيع، التي مهما كانت غير سارة، فإنه يتوجب على كلا الجانبين مواجهتها في نهاية المطاف؟
تشكل الطاقة موضوعاً من هذا القبيل. وحتى الآن، يستمر الاتحاد الأوروبي في شراء الغاز من روسيا، رغم أنه كان قد أحرز تقدماً كبيراً أصلاً في استراتيجيته الرامية إلى التقليل إلى الحد الأدنى من الاعتماد على موسكو في الطاقة.
يشكل قرار الاتحاد الأوروبي إنشاء اتحاد للطاقة مسبقاً خطوة في اتجاه "المواجهة المؤسساتية". وبالنسبة للمبتدئين، سيعزز ذلك الاتحاد من العلاقات التعاقدية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع شركة "غازبروم"، مما سيخفض حتماً دخل الشركة من أوروبا، حتى في الوقت الذي تشهد فيه خسائر رئيسية نتيجة لتراجع أسعار الطاقة.
بينما يتزايد الخداع فيما يتعلق بمحاولة روسيا تجاوز أوكرانيا عبر تركيا، فإن الغرب سيتصدى باستيراد إمدادات بديلة من أذربيجان وتركمانستان وإيران. كما أن من المتوقع أن تشهد روسيا معوقات حادة على الأرجح في الوصول إلى خط أنابيب "أوبال" في ألمانيا. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يرفع الغرب من وتيرة اعتماده على الغاز المسال وما شابه، بهدف خفض أو الإنهاء الكلي لاعتماده على الغاز الروسي خلال عامين أو ثلاثة أعوام.
وفي الأثناء، يتحرك الاتحاد الأوروبي نحو خوض مواجهة معلوماتية ودعائية مع روسيا. وهو يتطلع أصلاً إلى إنشاء نقطة معلوماتية مضادة لشبكة أخبار "روسيا اليوم"، لكن المواجهة في الفضاءين الإنساني والمعلوماتي عموماً تختلف بشكل كبير عن تلك التي عرفتها الحرب الباردة الأولى.
لن تقوم أوروبا بعرضها كما في السابق على أنها مواجهة بين طريقتين في الحياة أو رؤيتين مختلفتين للمستقبل -خاصة وأن على روسيا أن تصوغ رؤيتها الخاصة بالمستقبل للاستهلاك المحلي، وتفسير الكيفية التي تختلف بها عن رؤية الغرب- لكنها ربما توجزها في محاولة مبتذلة لاستغلال الرأي العام.
لقد انتهت المنافسة بين نظامين اجتماعيين متنافسين. فقد تخلت روسيا عن المبدأ السوفياتي لبناء المجتمع الأكثر عدلاً، والمتمتع بالسعادة والمساواة والأخوة الشاملة. ولم يعد حلفاء روسيا في الخارج جزءاً من "الحركة الشيوعية العالمية" وإنما أصبحوا دولاً مفردة أو أحزاباً سياسية مثل الجبهة الوطنية اليمينية الفرنسية التي يتزعمها مارين لو بان. ولم تعد هذه التحالفات متعلقة بالنهج مثلما كان حلف وارسو، وإنما فردية ومستندة على نحو ضخم إلى مشاعر معادية للعولمة ومعادية للولايات المتحدة، أو قائمة أيضاً على التشككية الأوروبية.
إذا خسر رئيس الوزراء الهنغاري فكتور أوربان أو حزب سيريزا في اليونان السلطة، فسيظل من غير الواضح كيف لهذين البلدين أن يعرفا علاقتهما مع موسكو. وفي المواجهة الراهنة، سيركز الغرب على تطبيق الضغط الاقتصادي على روسيا -أو أنه سيزيد ببساطة من تضييق الخناق على نظام الرئيس فلاديمير بوتين. على أنه من المهم ملاحظة أن الظروف الاقتصادية اليوم تختلف بشكل أساسي عن تلك التي كانت سائدة إبان الحرب الباردة الأولى.
ورغم أن الاتحاد السوفياتي قد وهن بشكل كبير بفعل الحرب، فإنه كان يتوافر على اقتصاد مكتف ذاتياً، والذي عول بالحد الأدنى على الأسواق الأجنبية. ومع تسريح الجيش في الخمسينيات، "ذاب" إرث الزعيم السوفياتي الراحل، نيكيتا خروتشوف، وجرت محاولة للبدء في "ثورة علمية وتكنولوجية" في السبعينيات، فأظهر الاتحاد السوفياتي قدرة على بناء إمكانياته الصناعية والتكنولوجية.
ومع ذلك، ومع بداية الحرب الباردة الراهنة، أنجزت روسيا العكس بشكل أساسي -تدمير قاعدتها الصناعية، والأسوأ من ذلك، خسارة إمكانياتها العلمية والتكنولوجية السابقة.
بينما استطاع الاتحاد السوفياتي المحافظة على وضعه في "سباق الفضاء" مع الولايات المتحدة في الستينيات، نجwد روسيا اليوم تحصل على الكثير من المعدات الصلبة الرئيسية -بما في ذلك المكونات الحساسة لمجمعها العسكري الصناعي- من الغرب. وهذه بالضبط هي النقطة الضعيفة التي سيضربها الغرب.
سوف تعتمد مدة الحرب الباردة الراهنة والحل النهائي لها على كيفية –ما إذا- كانت روسيا ستستجيب لهذا التحدي. وإذا عجزت روسيا عن حل مشاكلها التكنولوجية والاقتصادية، فإن من الممكن أن لا تشهد انهيار بنيتها الصناعية والاجتماعية وتفككها إلى دولة فاشلة خلال 15 عاماً وحسب، وإنما ستخسر أيضاً إمكانياتها العسكرية في مواجهة الغرب.
سوف يكون هذا الإطار الزمني هو نفسه الفترة القصوى لهذه الحرب الباردة الثانية أيضاً. ومن الطبيعي أن ذلك سوف يعتمد على طول الفترة التي يمكث فيها بوتين في السلطة، وما إذا كان الغرب يشعر بأن موسكو قوية فعلاً للتوصل إلى اتفاقية حازمة وفق شروط مقبولة لدى الجانبين.
أما إذا لم تكن الأمور كذلك، فإن الضغط عليها سيزداد، مما يدفع روسيا إلى حالة تصبح يائسة بازدياد إذا هي فشلت في الاستجابة بشكل مناسب للتحديات الخارجية.
عند تلك النقطة، سيكون لدى موسكو خياران فقط: الاستسلام التام وفق شروط وإملاءات المنتصر، أو خوض حرب كمحاولة نهائية يائسة لتأكيد عزة وكرامة روسيا القومية.

*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: Who Will Win the New Cold War?