من فتح الطرق لتنظيف المداخل.. تكافل مجتمعي يظهر بالمنخفضات

0
0
منى أبوحمور عمان- على قلب رجل واحد؛ اجتمع “شباب الحارة”، لفتح الطريق الذي لم تتمكن آليات البلدية دخوله لضيقه وبسبب تراكم الثلوج والانزلاقات الكثيرة، فكانت سواعدهم وهمتهم وشغفهم حاضرة لخدمة منطقتهم، ودافعا قويا للنزول إلى الشارع وفتح الطريق. وعلى مدار 4 ساعات متواصلة؛ بذل شباب أحد الأحياء في مدينة السلط وقتهم وجهدهم في فتح شارع رئيسي يخدم بيوتهم “بالكريكات”، ليتمكن سكان المنطقة من الحركة والخروج من منازلهم، خصوصا وأن الشارع شديد الانحدار. كان مشهدا يثلج الصدر تماما كما وصفته الأربعينية مروى الحليق التي راقبت من النافذة هؤلاء الشباب وكلهم فرح وشغف بالمساعدة رغم انحدار الشارع وتعرضهم للانزلاق أكثر من مرة. هذه الفزعة لم تقتصر على مدينة بعينها أو حي دون آخر، بل كانت أشبه بسلوك مجتمعي منظم عم محافظات المملكة، إذ هب شبابها لمساعدة من تقطعت بهم السبل ومن حاصرتهم الثلوج في منازلهم. الإحساس بالمسؤولية هو ما دفع الخمسيني محمد العطيات وأخاه الأكبر لحمل مجرفة وكريك “عدة الثلج” والخروج باكرا من المنزل لتفقد مداخل البيوت المجاورة ومساعدتهم في فتح مداخل المنازل. العطيات وبالرغم من برودة الجو إلا أنه لم يتوان عن مساعدة الغريب والقريب بمجرفته فما إن يرى أحدا يحاول إزاحة الثلوج حتى هب لمساعدته، فضلا عن دوره في مساعدة من حوله في التنظيف حول السيارات وتشغيلها ودفعها في كثير من الأحيان. المساعدات والتكاتف لم يكن مقتصرا على إزاحة الثلوج فقط، وإنما أيضا مساعدة مرضى غسيل الكلى ومن يحتاجون الذهاب إلى المستشفى من خلال سيارات الدفع الرباعي ومساعدتهم في الوصول إلى أقرب مستشفى. تراكم الثلوج في المناطق الجبلية منع كثيرا من الناس من إمكانية استخدام سياراتهم والتنقل، وهو ما دفع العشريني غيث النسور لاستخدام سيارته وتسخيرها لخدمة الناس ومساعدتهم طوال فترة المنخفض، حيث أمضى معظم ساعات اليوم في الخارج لمساعدة الآخرين. النسور لم يكتف بمساعدة جيرانه ومعارفه وإنما شارك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي منشورا يبدي فيه استعداده للمساعدة لأي محتاج أو مضطر للخروج من المنزل، فضلا عن توصيل المساعدات للأسر المحتاجة والفقيرة. رغم الفرحة الكبيرة بالثلوج، إلا أنها لم تكن تخلو من بعض المخاطر كانقطاع الكهرباء عن كثير من مناطق المملكة ووقوع أغصان الأشجار على أسلاك الكهرباء وعلى الشوارع الرئيسة التي تسببت بأذى كبير للناس في منازلهم والمارة. سند ورفاقه الذين ومن خلال إحدى الصفحات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي أعلنوا عن استعدادهم لتنظيف ما خلفه المنخفض الأخير من أشجار محطمة ونقلها وتنظيف مكانها ومساعدة أصحاب المنازل على تنظيف حدائقهم وفتح مداخل المنازل التي أغلق معظمها بسبب الأشجار. وكان تبادل الشموع وفوانيس الكاز حاضرا خلال المنخفض الجوي، حيث تقاسم الجيران ما يملكون من شموع وفوانيس فيما بينهم، خصوصا وأن كثيرا من العائلات تفاجأت باستمرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة. في كل مرة تتعرض فيه المملكة لمنخفض قوي جديد يكون التماسك الاجتماعي حاضرا وبقوة بين جميع أبناء المجتمع الذين لا يتوانون في تقديم أي شكل من أشكال المساعدة مهما كان بسيطا. شوربة العدس والرشوف وشاي القرفة كانت “هدايا” الجيران لبعضهم خلال فترة المنخفض الجوي وفق الثلاثينية سارة التي تبين أنه لا يمر يوما دون أن يطرق أحد الجيران بابها ويتفقدها ويشاركها صحنا من الشوربة أو بريقا من القرفة أو حتى بضع قطع من الهريسة والعوامة المنزلية. إلى ذلك، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر عددا كبيرا من المنشورات التي قام بنشرها عدد من الشباب ممن يملكون سيارات دفع رباعي كمبادرات فريدة يبدون استعدادهم بتقديم المساعدات بكافة أشكالها وشاركوا أرقام هواتفهم عبر صفحاتهم ليتمكن الجميع من الوصول إليهم. اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع يشير إلى أن هذه السلوكات التي يقوم بها الشباب ليست بجديدة وإنما جزء من عادات وتقاليد وقيم وهي أساسا نابعة من التنشئة الاجتماعية التي يتربى عليها المواطن، بالفزعة ومساعدة الآخرين. ورغم التغيرات الكبيرة التي طرأت على المجتمع والظروف الاقتصادية الصعبة، إلا أنه خلال العقد الماضي ظهرت العديد من المبادرات الشبابية لتنمية المجتمع وخدمته سواء على مستوى القرية أو المدينة أو المحافظة وحتى الحارة بالإضافة إلى مبادرات على مستوى الوطن. ويلفت جريبيع إلى أن ما شهدناه خلال المنخفض الأخير يعزز من قيمة ومكانة المبادرات التي يقوم بها الشباب على مختلف مستوياتهم. ولعل من أهم الظواهر الإيجابية وفق جريبيع، تلك التي تكون حاضرة خلال المنخفضات الجوية وعبر مجموعات شبابية بدأت تتشكل من تلقاء نفسها بهدف تقديم الخدمة ومساعدة الآخرين سواء من تقطعت بهم السبل بالطرقات والمساعدة بتوصيلهم إلى منازلهم وتقديم الاحتياجات لهم في منازلهم ومساعدة الأسر المحتاجة. ويشير جريبيع إلى أن هذه الظاهرة تعزز من قيمة التكافل والتماسك، ومن قيمة العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد، لافتا إلى أن العديد من الظواهر الإيجابية في الظروف الجوية، تعزز من قيمة العمل التطوعي. ودائما يتم النظر إلى المبادرات الاجتماعية كجهود تحمل في طياتها المسؤولية وتخفف العبء عن الجهات الحكومية في تقديم الخدمات وهي ظاهرة إيجابية تستحق البناء عليها.

اقرأ المزيد:

اضافة اعلان