من كتالونيا



شهد شهر شباط (فبراير) الماضي انعقاد أكبر تجمّع دولي لقطاعات تكنولوجيا الاتصالات و"الموبايل" والبرمجيات الحديثة في العالم، في مدينة برشلونة بإسبانيا. ويمكن وصف برشلونة بأنها مدينة في "الليمبوس"؛ أي إنها تقع في منطقة ما بين النار والجنة! اضافة اعلان
ففي لحظة، أدار المدينة جيل جديد، ساهم في كل مجالات النمو الممكنة. ولكنها، كباقي المدن الإسبانية اليوم، تُصارع الفقر والهجرة والبطالة، وتعيش تبعات ازدواج الهويّة، وإرث الفساد والاحتكار. كما تعاني من آثار بعض الحركات الانفصاليّة.
حقيقة أخرى أنه لا يوجد في برشلونة، في الواقع، "صناعة" لتكنولوجيا دقيقة، أو شركات فائقة التطور مقارنة بألمانيا مثلا! فبعد انعقاد المؤتمر في مدينة "كان" الساحليّة جنوب فرنسا، في الأعوام 1995-2004، وقع اختيار "الكونغرس العالمي للموبايل" على مدينة برشلونة بصدفة تاريخيّة؛ لاعتبارات لا دخل لها بالاختراع أو بالتكنولوجيا، مثل شهر شباط (فبراير) الساحليّ الدافئ، والقرب الجغرافي، والسعة العامة، وسكّة الحديد العظيمة، وغيرها من الأسباب. فتقرّر نقل أكبر مؤتمر تكنولوجي دولي إلى إسبانيا، بعد أن ضاقت "كان" الفرنسيّة بشوارعها وفنادقها وكازينوهاتها على شواطئ "الريفيرا" الممتدة للآلاف من الزوّار!
لقد أظهر المؤتمر انتفاء أي علاقة لبرشلونة بالتكنولوجيا أو بأي من الاختراعات والاكتشافات التي نراها اليوم، ومعظمها صنع في القارة الأميركيّة. ففي برشلونة، لا يوجد  تكنولوجيا أو اتصالات خارقة، بل يوجد العمار والفن والتصاميم؛ واللاعب "ميسّي" الأشهر من الأهرامات. كما توجد المقلوبة الإسبانية ببقايا ثروات البحر، والسمك والنبيذ والماء والخُضرة والوجه والملقى الحسن!
وعندما استضافت برشلونة الألعاب الأولمبية في العام 1992، تجاوزت المدينة عقدة الخوف من الترتيبات الكُبرى. فمن يومها، تأهّلت كوادر قادرة على الإدارة بنظام لوجيستي كاف لاستقبال أكثر من مائة ألف زائر دفعة واحدة.
وبالطبع، كان أهم خبر للعام 2014 في المؤتمر، هو صفقة استحواذ "فيسبوك" على "واتس آب" بمبلغ 19 مليار دولار، والتي مثلت صفقة تاريخية بأصفار لم تسمع البشريّة بمثلها من قبل! كما تمّ الإعلان عن منتجات رائعة، وهواتف لوحيّة وساعات رسغ ناطقة، ضمن عدد من الحلول والبرمجيات المُتخصصة في التواصل والأمن والدفع عبر الموبايل. ومن حالفه الحظ، تمكّن من السلام، في أروقة المعرض، على مؤسس "فيسبوك" مارك زوكربيرغ، أو على رئيس مجلس إدارة "سيسكو" جون شامبيرز؛ أو اصطدم بغيرهما من قادة الشركات والتكنولوجيا والرياديين والمخترعين في العالم.
ثلاث شركات أردنية عرضت منتجاتها خلال المؤتمر بشكل جميل، بينما امتلأت الطائرات بوفود ضمت قادة شركات الاتصالات والبرمجيّات والتكنولوجيا في الأردن، بغياب للصحافة الأردنية. ونتوقّع أن يُشارك عدد أكبر من الشركات الأردنيّة في العام المُقبل كوحدة متألقة، إلى جانب دول عربيّة تواجدت في المعرض في هذا العام.
وما يزال الرهان على قدرة الأردن، لاسيما البحر الميّت والعقبة، على جلب السيّاحة المتخصصة بالتكنولوجيا والمؤتمرات العُظمى للمنطقة، مثل مدينة برشلونة التي تعيش بشخصيتها الخاصّة متكئة على تاريخها الذي هو مصدر إلهامها للتوسّع في أوروبا.

*خبيرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات