من معونة الرفاه إلى التنافس السياسي

يُقدّم نظام تمويل الأحزاب المقترح فرصة ثمينة للأحزاب وللحكومة وللمواطنين للانتقال بالعمل السياسي من طور "الرفاه الاجتماعي للأحزاب" إلى التنافس السياسي بينها في خدمة الصالح العام. النظام المعمول به الآن، يمنح جميع الأحزاب الراغبة بتلقي دعم حكومي مبلغا متساويا بنحو خمسين ألف دينار وهو ما ساعد على التكلس السياسي والعملياتي لكثير من هذه الأحزاب التي يراوح عددها حول الخمسين حزبا، ولم يخلق لديها حافزا للتنافس على موارد التمويل المتاحة من خلال العمل السياسي المنظم والبناء المؤسسي. اضافة اعلان
لذلك، يُشكّل المُقترح الجديد الذي يُقدّم نحو مائة ألف دينار (حسب الحد الأعلى للسقوف الواردة في النظام) للحزب الذي يتبّع مؤشرات الأداء المرتبطة بالتمويل فرصة للأحزاب لتجويد أدائها المؤسسي. يعرف قادة الأحزاب والمهتمون بالعمل السياسي عموماً أن جميع استطلاعات الرأي العلمية تؤشر لوجود خلل بنيوي عميق في العلاقة بين الأحزاب والمواطنين والدولة عموماً. مسؤولية هذا الخلل تتوزع على جميع الأطراف المؤثرة في العملية السياسية وبدرجات متفاوتة.
المواطنون هم مصدر شرعية التمثيل السياسي لأنهم، من المفترض، أن يفوضوا الأحزاب للدفاع عن مصالحهم التي يُفترض أن تكون مبلورة بشكل علمي ودقيق وتنعكس في برامج الأحزاب التي يُفترض أن تُنتخَب أو لا تُنتخَب على أساسها. الأغلبية الكبرى من هؤلاء المواطنين ترى الأحزاب بأنها "غير فعّالة"، ولا تقدم بدائل سياسات لحل المشاكل العالقة التي يُعاني منها الناس. ولا يقتصر الأمر على هذا، بل إن معرفة الناس بالأحزاب في حدودها الدنيا بما في ذلك الأحزاب التقليدية التي تراجعت معرفة الناس بها خصوصا بين الأجيال الأصغر سنا. والاتجاه العام لدى المواطنين مقارنة بالتسعينيات هو معرفة وقناعة أقل بالاحزاب عموما. ويقيمون أداءها بأنه متواضع جداً وهو الأدنى مقارنة بمجلس النواب والحكومة والبلديات واللامركزية والمؤسسات المدنية الأُخرى.
الحكومة، قدمت بدورها نظام التمويل وهو خطوة جيدة بالاتجاه الصحيح. ولكن الهدف الأساسي لكل حزب هو الوصول للسلطة من خلال الانتخابات الحرة والدورية. بينما يُشكل نظام التمويل المقترح حافزا تنافسيا ماليا لتجويد أداء الاحزاب وتوسيع انتشارها وإدماج الشباب والنساء ومكافأة الانجاز وتعميق مأسسة العمل الحزبي، يبقى الحافز السياسي هو الأهم. إذ لا يوجد اليوم أي نص دستوري أو قانوني مُلزِم بأن تُسَمّي الكتلة الأكبر في مجلس النواب رئيس الوزراء. هذا هو الحافز السياسي الذي يُحدث فرقا حقيقيا في مسيرة الاصلاح السياسي ويستجيب لما ينادي به جلالة الملك منذ عقدين. يتطلب هذا إجراء تعديل دستوري ينص على أن يُكلّف جلالة الملك الكتلة الأكبر في مجلس النواب بأن تُسَمّي رئيس الوزراء سواء من داخل أو خارج المجلس. وإذا ما قُيّضَ لهذا الطرح أن يرى النور ينبغي أن يتم التوافق بين جميع الأطراف السياسية من خلال مؤتمر وطني عام أو ميثاق على آلية ونسب توزير النواب لكي لا تنتهي التجربة كما انتهت التجربة في التسعينيات وإلى غير رجعة حتى الآن ولكي تنجح العملية السياسية بتجديد ذاتها.